الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: مغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج ***
المتن: الْتِقَاطُ الْمَنْبُوذِ فَرْضُ كِفَايَةٍ، وَيَجِبُ الْإِشْهَادُ عَلَيْهِ فِي الْأَصَحِّ
الشَّرْحُ: فَعِيلٌ بِمَعْنَى مَفْعُولٍ كَجَرِيحٍ وَقَتِيلٍ، وَيُسَمَّى مَلْقُوطًا بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ يُلْقَطُ، وَمَنْبُوذًا بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ يُنْبَذُ إذَا أُلْقِيَ فِي الطَّرِيقِ وَنَحْوِهِ، وَيُسَمَّى دَعِيًّا أَيْضًا. وَالْأَصْلُ فِيهِ مَعَ مَا يَأْتِي قَوْله تَعَالَى {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى} وقَوْله تَعَالَى {وَافْعَلُوا الْخَيْرَ} وَأَرْكَانُ اللَّقِيطِ الشَّرْعِيِّ ثَلَاثَةٌ: الْتِقَاطٌ، وَلَقِيطٌ، وَمُلْتَقِطٌ. وَقَدْ بَدَأَ بِالرُّكْنِ الْأَوَّلِ فَقَالَ (الْتِقَاطُ) أَيْ أَخْذُ (الْمَنْبُوذِ) بِالْمُعْجَمَةِ (فَرْضُ كِفَايَةٍ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا} إذْ بِإِحْيَائِهَا يَسْقُطُ الْحَرَجُ عَنْ النَّاسِ فَإِحْيَاؤُهُمْ بِالنَّجَاةِ مِنْ الْعَذَابِ؛ وَلِأَنَّهُ آدَمِيٌّ مُحْتَرَمٌ فَوَجَبَ حِفْظُهُ كَالْمُضْطَرِّ إلَى طَعَامِ غَيْرِهِ، بَلْ أَوْلَى؛ لِأَنَّ الْبَالِغَ الْعَاقِلَ رُبَّمَا احْتَالَ لِنَفْسِهِ وَفَارَقَ اللُّقَطَةَ، حَيْثُ لَا يَجِبُ الْتِقَاطُهَا بِأَنَّ الْمُغَلَّبَ عَلَيْهَا الِاكْتِسَابُ وَالنَّفْسُ تَمِيلُ إلَيْهِ فَاسْتَغْنَى بِذَلِكَ عَنْ الْوُجُوبِ كَالنِّكَاحِ وَالْوَطْءِ فِيهِ، فَلَوْ لَمْ يَعْلَمْ بِالْمَنْبُوذِ إلَّا وَاحِدٌ لَزِمَهُ أَخْذُهُ، فَلَوْ لَمْ يَلْتَقِطْهُ حَتَّى عَلِمَ بِهِ غَيْرُهُ فَهَلْ يَجِبُ عَلَيْهِمَا، كَمَا لَوْ عَلِمَا مَعًا أَوْ عَلَى الْأَوَّلِ فَقَطْ؟ أَبْدَى ابْنُ الرِّفْعَةِ فِيهِ احْتِمَالَيْنِ. قَالَ السُّبْكِيُّ وَاَلَّذِي يَجِبُ الْقَطْعُ بِهِ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِمَا (وَيَجِبُ الْإِشْهَادُ عَلَيْهِ) أَيْ الْتِقَاطِهِ (فِي الْأَصَحِّ) وَإِنْ كَانَ ظَاهِرَ الْعَدَالَةِ خَوْفًا مِنْ أَنْ يَسْتَرِقَّهُ. وَالثَّانِي لَا يَجِبُ اعْتِمَادًا عَلَى الْأَمَانَةِ كَاللُّقَطَةِ. وَأَجَابَ الْأَوَّلُ بِأَنَّ الْغَرَضَ مِنْهَا الْمَالُ، وَالْإِشْهَادُ فِي التَّصَرُّفِ الْمَالِيِّ مُسْتَحَبٌّ، وَمِنْ اللَّقِيطِ حُرِّيَّتُهُ وَنَسَبُهُ فَوَجَبَ الْإِشْهَادُ كَمَا فِي النِّكَاحِ، وَبِأَنَّ اللُّقَطَةَ يَشِيعُ أَمْرُهَا بِالتَّعْرِيفِ، وَلَا تَعْرِيفَ فِي اللَّقِيطِ وَيَجِبُ الْإِشْهَادُ أَيْضًا عَلَى مَا مَعَهُ تَبَعًا لَهُ وَلِئَلَّا يَتَمَلَّكَهُ، وَقَيَّدَ الْمَاوَرْدِيُّ وُجُوبَ الْإِشْهَادِ عَلَيْهِ وَعَلَى مَا مَعَهُ بِالْمُلْتَقِطِ بِنَفْسِهِ. أَمَّا مَنْ سَلَّمَهُ الْحَاكِمُ لَهُ فَالْإِشْهَادُ مُسْتَحَبٌّ لَهُ فَقَطْ. قَالَ شَيْخُنَا وَهُوَ ظَاهِرٌ. وَأَمَّا الرُّكْنُ الثَّانِي وَهُوَ اللَّقِيطُ فَهُوَ صَغِيرٌ مَنْبُوذٌ فِي شَارِعٍ أَوْ مَسْجِدٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ لَا كَافِلَ لَهُ مَعْلُومٌ وَلَوْ مُمَيِّزًا لِحَاجَتِهِ إلَى التَّعَهُّدِ، وَإِنْ أَفْهَمَ التَّعْبِيرُ بِالْمَنْبُوذِ اخْتِصَاصَهُ بِغَيْرِ الْمُمَيِّزِ. فَإِنَّ الْمَنْبُوذَ وَهُوَ الَّذِي يُنْبَذُ دُونَ التَّمْيِيزِ، وَنَبْذُهُ فِي الْغَالِبِ إمَّا لِكَوْنِهِ مِنْ فَاحِشَةٍ خَوْفًا مِنْ الْعَارِ، أَوْ لِلْعَجْزِ عَنْ مُؤْنَتِهِ، فَإِنْ فُقِدَ النَّبْذُ رُدَّ إلَى الْقَاضِي لِقِيَامِهِ مَقَامَ كَافِلِهِ فَيُسَلِّمُهُ إلَى مَنْ يَقُومُ بِهِ، كَمَا يَقُومُ بِحِفْظِ مَالِ الْغَائِبِينَ، أَوْ وُجِدَ لَهُ كَافِلٌ وَلَوْ مُلْتَقِطًا رُدَّ إلَيْهِ، وَخَرَجَ بِالصَّبِيِّ الْبَالِغُ لِاسْتِغْنَائِهِ عَنْ الْحِفْظِ. نَعَمْ الْمَجْنُونُ كَالصَّبِيِّ، وَإِنَّمَا ذَكَرُوا الصَّبِيَّ؛ لِأَنَّهُ الْغَالِبُ، قَالَهُ السُّبْكِيُّ وَغَيْرُهُ.
المتن: وَإِنَّمَا تَثْبُتُ وِلَايَةُ الِالْتِقَاطِ لِمُكَلَّفٍ حُرٍّ مُسْلِمٍ عَدْلٍ رَشِيدٍ.
الشَّرْحُ: ثُمَّ شَرَعَ فِي الرُّكْنِ الثَّالِثِ وَهُوَ الْمُلْتَقِطُ فَقَالَ (وَإِنَّمَا تَثْبُتُ وِلَايَةُ الِالْتِقَاطِ) أَيْ حَضَانَةُ اللَّقِيطِ (لِمُكَلَّفٍ حُرٍّ) ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى، وَلَكِنَّ الْإِنَاثَ أَلْيَقُ بِهَا غَنِيٍّ أَوْ فَقِيرٍ (مُسْلِمٍ) إنْ كَانَ اللَّقِيطُ مَحْكُومًا بِإِسْلَامِهِ (عَدْلٍ)؛ لِأَنَّهَا وِلَايَةٌ عَلَى الْغَيْرِ فَاعْتُبِرَ فِيهَا الْأَوْصَافُ الْمَذْكُورَةُ كَوِلَايَةِ الْقَضَاءِ، فَإِنْ كَانَ مَحْكُومًا بِكُفْرِهِ بِالدَّارِ فَلِلْكَافِرِ الْتِقَاطُهُ؛ لِأَنَّهُ مِنْ أَهْلِ الْوِلَايَةِ عَلَيْهِ.
تَنْبِيهٌ: مُقْتَضَى كَلَامِهِمْ جَوَازُ الْتِقَاطِ الْيَهُودِيِّ لِلنَّصْرَانِيِّ وَعَكْسَهُ وَهُوَ كَذَلِكَ كَالْإِرْثِ وَإِنْ قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ لَمْ أَرَهُ مَنْقُولًا، وَقَوْلُهُ (رَشِيدٍ) مُسْتَغْنًى عَنْهُ بِعَدْلٍ كَمَا يُسْتَغْنَى عَنْ مُكَلَّفٍ بِعَدْلٍ، وَمُرَادُهُ الْعَدَالَةُ الْبَاطِنَةُ وَالظَّاهِرَةُ لِيَدْخُلَ الْمَسْتُورُ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ قَوْلِهِ الْآتِي، وَيُقَدَّمُ عَدْلٌ عَلَى مَسْتُورٍ، وَلَا تَفْتَقِرُ وِلَايَةُ الِالْتِقَاطِ إلَى إذْنِ الْحَاكِمِ، لَكِنْ يُسْتَحَبُّ دَفْعُهُ إلَيْهِ. نَعَمْ لَوْ وَجَدَهُ فَأَعْطَاهُ غَيْرَهُ لَمْ يَجُزْ حَتَّى يَدْفَعَهُ إلَى الْحَاكِمِ كَمَا قَالَهُ الدَّارِمِيُّ.
المتن: وَلَوْ الْتَقَطَ عَبْدٌ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ اُنْتُزِعَ مِنْهُ، فَإِنْ عَلِمَهُ فَأَقَرَّهُ عِنْدَهُ أَوْ الْتَقَطَ بِإِذْنِهِ فَالسَّيِّدُ الْمُلْتَقِطُ.
الشَّرْحُ: ثُمَّ شَرَعَ فِي ذِكْرِ مُحْتَرَزَاتِ مَا تَقَدَّمَ فَذَكَرَ مُحْتَرَزَ حُرٍّ فِي قَوْلِهِ (وَلَوْ الْتَقَطَ) رَقِيقٌ (عَبْدٌ) أَوْ أَمَةٌ مُدَبَّرٌ أَوْ مُعَلَّقٌ عِتْقُهُ بِصِفَةٍ، أَوْ أُمُّ وَلَدٍ، أَوْ مُكَاتَبٌ (بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ اُنْتُزِعَ) اللَّقِيطُ (مِنْهُ)؛ لِأَنَّ الْحَضَانَةَ تَبَرُّعٌ وَلَيْسَ هُوَ مِنْ أَهْلِهَا (فَإِنْ عَلِمَهُ) أَيْ السَّيِّدُ (فَأَقَرَّهُ عِنْدَهُ، أَوْ الْتَقَطَ بِإِذْنِهِ فَالسَّيِّدُ) هُوَ (الْمُلْتَقِطُ) وَهُوَ نَائِبُهُ فِي الْأَخْذِ وَالتَّرْبِيَةِ إذْ يَدُهُ كَيَدِهِ، وَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ أَهْلًا لِلتَّرْكِ فِي يَدِهِ. قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَهَذَا قَبْلَ الرَّفْعِ إلَى الْحَاكِمِ. أَمَّا بَعْدَهُ فَيَدْفَعُهُ إلَى مَنْ يَرَاهُ إذْ لَا حَقَّ لِلسَّيِّدِ فِيهِ ا هـ. وَفِي الْحَالَةِ الثَّانِيَةِ نَظَرٌ إذْ السَّيِّدُ هُوَ الْمُلْتَقِطُ، وَلَوْ قَالَ السَّيِّدُ لِلْمُكَاتَبِ الْتَقِطْ لِي فَالسَّيِّدُ هُوَ الْمُلْتَقِطُ، وَفِي الْمُبَعَّضِ إذَا الْتَقَطَ فِي نَوْبَتِهِ وَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا عَدَمُ الصِّحَّةِ كَمَا قَالَهُ الرُّويَانِيُّ؛ لِأَنَّ الْحَضَانَةَ وِلَايَةٌ، وَلَا وِلَايَةَ لِلْمُبَعَّضِ بِخِلَافِ اللُّقَطَةِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ السَّيِّدِ مُهَايَأَةٌ أَوْ الْتَقَطَ فِي نَوْبَةِ السَّيِّدِ فَالْتِقَاطُهُ كَالْقِنِّ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ، وَذَكَرَ مُحْتَرِزًا مُكَلَّفٍ عَدْلٍ رَشِيدٍ فِي قَوْلِهِ.
المتن: وَلَوْ الْتَقَطَ صَبِيٌّ أَوْ فَاسِقٌ أَوْ مَحْجُورٌ عَلَيْهِ أَوْ كَافِرٌ مُسْلِمًا اُنْتُزِعَ مِنْهُ.
الشَّرْحُ: (وَلَوْ الْتَقَطَ صَبِيٌّ) أَوْ مَجْنُونٌ (أَوْ فَاسِقٌ أَوْ مَحْجُورٌ عَلَيْهِ) بِسَفَهٍ (أَوْ كَافِرٌ مُسْلِمًا اُنْتُزِعَ مِنْهُ) لِعَدَمِ أَهْلِيَّةِ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ وَتُهْمَةِ الْفَاسِقِ وَالْمَحْجُورِ عَلَيْهِ بِسَفَهٍ وَعَدَمِ وِلَايَةِ الْكَافِرِ عَلَى الْمُسْلِمِ، وَالْمُنْتَزِعُ مِنْهُمْ هُوَ الْحَاكِمُ كَمَا قَالَهُ شَارِحُ التَّعْجِيزِ، وَخَرَجَ بِمُسْلِمٍ الْمَحْكُومُ بِكُفْرِهِ فَإِنَّهُ يُقَرُّ بِيَدِهِ كَمَا مَرَّ، وَكَذَا بِيَدِ الْمُسْلِمِ كَمَا سَيَأْتِي.
المتن: وَلَوْ ازْدَحَمَ اثْنَانِ عَلَى أَخْذِهِ جَعَلَهُ الْحَاكِمُ عِنْدَ مَنْ يَرَاهُ مِنْهُمَا أَوْ مِنْ غَيْرِهِمَا، وَإِنْ سَبَقَ وَاحِدٌ فَالْتَقَطَهُ مُنِعَ الْآخَرُ مِنْ مُزَاحَمَتِهِ، وَإِنْ الْتَقَطَاهُ مَعًا وَهُمَا أَهْلٌ، فَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يُقَدَّمُ غَنِيٌّ عَلَى فَقِيرٍ وَعَدْلٌ عَلَى مَسْتُورٍ.
الشَّرْحُ: (وَلَوْ ازْدَحَمَ اثْنَانِ) كُلٌّ مِنْهُمَا أَهْلٌ لِالْتِقَاطِهِ (عَلَى أَخْذِهِ) مُتَعَلِّقٌ بِازْدَحَمَ، وَذَلِكَ بِأَنْ يَقُولَ كُلٌّ مِنْهُمَا أَنَا آخُذُهُ (جَعَلَهُ الْحَاكِمُ عِنْدَ مَنْ يَرَاهُ مِنْهُمَا أَوْ) عِنْدَ مَنْ يَرَاهُ (مِنْ غَيْرِهِمَا)؛ لِأَنَّهُ لَا حَقَّ لَهُمَا قَبْلَ أَخْذِهِ فَيَفْعَلُ الْأَحَظَّ لَهُ (وَإِنْ سَبَقَ وَاحِدٌ) مِنْهُمَا (فَالْتَقَطَهُ مُنِعَ الْآخَرُ مِنْ مُزَاحَمَتِهِ) لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {مَنْ سَبَقَ إلَى مَا لَمْ يَسْبِقْ إلَيْهِ أَحَدٌ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ} رَوَاهُ أَبُو دَاوُد. وَخَرَجَ بِقَوْلِهِ فَالْتَقَطَهُ مَا لَوْ سَبَقَ إلَى الْوُقُوفِ عِنْدَهُ وَلَمْ يَأْخُذْهُ فَإِنَّهُ لَا حَقَّ لَهُ (وَإِنْ الْتَقَطَاهُ مَعًا) أَيْ فِي زَمَنٍ وَاحِدٍ وَإِنْ لَمْ يَجِبْ ذَلِكَ فِي مَعْنَى مَعَ؛ لِأَنَّهَا تَأْتِي بِمَعْنَى جَمِيعٍ (وَهُمَا أَهْلٌ) لِالْتِقَاطِهِ (فَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يُقَدَّمُ غَنِيٌّ عَلَى فَقِيرٍ)؛ لِأَنَّهُ قَدْ يُوَاسِيهِ بِمَالِهِ وَلَوْ تَفَاوَتَا فِي الْغِنَى لَمْ يُقَدَّمْ أَغْنَاهُمَا. نَعَمْ لَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا بَخِيلًا وَالْآخَرُ جَوَادًا فَقِيَاسُ تَقْدِيمِ الْغَنِيِّ أَنْ يُقَدَّمَ الْجَوَادُ؛ لِأَنَّ حِفْظَ اللَّقِيطِ عِنْدَهُ أَكْثَرُ، وَظَاهِرٌ أَنَّهُ يُقَدَّمُ الْغَنِيُّ عَلَى الْفَقِيرِ وَإِنْ كَانَ الْغَنِيُّ بَخِيلًا. وَالثَّانِي يَسْتَوِي الْغَنِيُّ وَالْفَقِيرُ؛ لِأَنَّ نَفَقَةَ اللَّقِيطِ لَا تَجِبُ عَلَى مُلْتَقِطِهِ (وَ) يُقَدَّمُ (عَدْلٌ) بَاطِنًا بِكَوْنِهِ مُزَكًّى عِنْدَ حَاكِمٍ (عَلَى مَسْتُورٍ) أَيْ عَدْلٍ ظَاهِرًا بِأَنْ لَمْ يُعْلَمْ فِسْقُهُ وَلَمْ يُعْلَمْ تَزْكِيَتُهُ عِنْدَ حَاكِمٍ. أَمَّا الْعَدْلُ عِنْدَ اللَّهِ فَلَا يَعْلَمُهُ إلَّا اللَّهُ، وَيُقَدَّمُ الْحُرُّ عَلَى الْمُكَاتَبِ لِكَمَالِهِ، وَالْبَلَدِيُّ عَلَى الْبَدَوِيِّ، وَيَسْتَوِي الْمُسْلِمُ وَالْكَافِرُ فِي الْتِقَاطِ الْمَحْكُومِ بِكُفْرِهِ، وَقِيلَ يُقَدَّمُ الْمُسْلِمُ، وَقِيلَ الْكَافِرُ، وَلَا تُقَدَّمُ الْمَرْأَةُ عَلَى الرَّجُلِ وَإِنْ قُدِّمَتْ فِي الْحَضَانَةِ.
المتن: فَإِنْ اسْتَوَيَا أُقْرِعَ.
الشَّرْحُ:
تَنْبِيهٌ: لَوْ ازْدَحَمَ عَلَى أَخْذِ لَقِيطٍ بِبَلَدٍ أَوْ قَرْيَةٍ ظَاعِنٌ إلَى بَادِيَةٍ أَوْ قَرْيَةٍ وَآخَرُ مُقِيمٌ فَالْمُقِيمُ أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ أَرْفَقُ بِهِ وَأَحْوَطُ لِنَسَبِهِ لَا عَلَى ظَاعِنٍ يَظْعَنُ بِهِ إلَى بَلَدٍ أُخْرَى بَلْ يَسْتَوِيَانِ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ لِلْمُنْفَرِدِ نَقْلُهُ إلَى بَلَدِهِ كَمَا سَيَأْتِي، وَاخْتَارَ الْمُصَنِّفُ تَقْدِيمَ قَرَوِيٍّ مُقِيمٍ بِالْقَرْيَةِ عَلَى بَلَدِيٍّ ظَاعِنٍ، وَنَقَلَهُ عَنْ ابْنِ كَجٍّ، لَكِنَّ مَنْقُولَ الْأَصْحَابِ أَنَّهُمَا مُسْتَوِيَانِ كَمَا نَقَلَهُ هُوَ تَبَعًا لِلرَّافِعِيِّ، وَيُقَدَّمُ حَضَرِيٌّ عَلَى بَدَوِيٍّ إذَا وَجَدَاهُ بِمَهْلَكَةٍ، وَيَسْتَوِيَانِ فِيهِ إذَا وَجَدَاهُ بِمَحَلَّةٍ أَوْ قَبِيلَةٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَيُقَدَّمُ الْبَصِيرُ عَلَى الْأَعْمَى، وَالسَّلِيمُ عَلَى الْمَجْذُومِ وَالْأَبْرَصِ إنْ قِيلَ بِأَهْلِيَّتِهِمْ لِلِالْتِقَاطِ (فَإِنْ اسْتَوَيَا) فِي الصِّفَاتِ الْمُعْتَبَرَةِ وَتَشَاحَّا (أُقْرِعَ) بَيْنَهُمَا عَلَى النَّصِّ لِعَدَمِ الْأَوْلَوِيَّةِ، وَلَوْ كَانَ اللَّقِيطُ مُمَيِّزًا وَاخْتَارَ أَحَدَهُمَا بِخِلَافِ تَخْيِيرِ الصَّبِيِّ الْمُمَيِّزِ بَيْنَ أَبَوَيْهِ لِتَعْوِيلِهِمْ ثَمَّ عَلَى الْمَيْلِ النَّاشِئِ عَنْ الْوِلَادَةِ وَهُوَ مَعْدُومٌ هُنَا وَلَا يُهَايَأُ بَيْنَهُمَا لِلْإِضْرَارِ بِاللَّقِيطِ وَلَا يُتْرَكُ فِي يَدِهِمَا لِتَعَذُّرِ أَوْ تَعَسُّرِ الِاجْتِمَاعِ عَلَى الْحَضَانَةِ، وَقَدْ كَانَتْ الْقُرْعَةُ فِي الْكَفَالَةِ فِي شَرْعِ مَنْ قَبْلَنَا فِي قِصَّةِ مَرْيَمَ، قَالَ تَعَالَى {إذْ يُلْقُونَ أَقْلَامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ} أَيْ اقْتَرَعَتْ الْأَحْبَارُ عَلَى كَفَالَتِهَا بِإِلْقَاءِ أَقْلَامِهِمْ، وَلَمْ يَرِدْ فِي شَرْعِنَا مَا يُخَالِفُهُ، وَتَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى ذَلِكَ هَلْ يَكُونُ شَرْعًا أَمْ لَا؟ وَلَيْسَ لِلْقَارِعِ تَرْكُ حَقِّهِ لِلْآخَرِ وَإِنْ خَالَفَ فِي ذَلِكَ الْمَاوَرْدِيُّ، كَمَا أَنَّهُ لَيْسَ لِلْمُنْفَرِدِ نَقْلُهُ إلَى غَيْرِهِ، وَلَوْ تَرَكَ حَقَّهُ قَبْلَ الْقُرْعَةِ انْفَرَدَ بِهِ الْآخَرُ
المتن: وَإِذَا وَجَدَ بَلَدِيٌّ لَقِيطًا بِبَلَدٍ فَلَيْسَ لَهُ نَقْلُهُ إلَى بَادِيَةٍ، وَالْأَصَحُّ أَنَّ لَهُ نَقْلَهُ إلَى بَلَدٍ آخَرَ.
الشَّرْحُ: (وَإِذَا وَجَدَ بَلَدِيٌّ) أَوْ قَرَوِيٌّ أَوْ بَدَوِيٌّ (لَقِيطًا بِبَلَدٍ) أَوْ قَرْيَةٍ (فَلَيْسَ لَهُ نَقْلُهُ إلَى بَادِيَةٍ) لِخُشُونَةِ عَيْشِهَا وَتَفْوِيتِ الْعِلْمِ وَالدِّينِ وَالصَّنْعَةِ، وَقِيلَ لِضَيَاعِ النَّسَبِ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ السَّفَرِ بِهِ لِلنُّقْلَةِ وَغَيْرِهَا كَمَا قَالَهُ الْمُتَوَلِّي وَأَقَرَّاهُ. نَعَمْ لَوْ قَرُبَتْ الْبَادِيَةُ مِنْ الْبَلَدِ أَوْ الْقَرْيَةِ بِحَيْثُ يَسْهُلُ الْمُرَادُ مِنْهَا جَازَ النَّقْلُ إلَيْهَا لِانْتِفَاءِ الْعِلَّةِ، صَرَّحَ بِهِ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ. وَيَمْتَنِعُ أَيْضًا نَقْلُهُ مِنْ بَلْدَةٍ إلَى قَرْيَةٍ لِمَا مَرَّ.
تَنْبِيهٌ: الْبَادِيَةُ خِلَافُ الْحَاضِرَةِ؛ لِأَنَّ الْحَاضِرَةَ الْمُدُنُ وَالْقُرَى وَالرِّيفُ، وَالْقَرْيَةُ هِيَ الْعِمَارَةُ الْمُجْتَمِعَةُ فَإِنْ كَبُرَتْ سُمِّيَتْ بَلَدًا. وَإِنْ عَظُمَتْ سُمِّيَتْ مَدِينَةً، وَالرِّيفُ هِيَ الْأَرْضُ الَّتِي فِيهَا زَرْعٌ وَخِصْبٌ (وَالْأَصَحُّ أَنَّ لَهُ) أَيْ الْمُلْتَقِطِ (نَقْلَهُ) أَيْ اللَّقِيطِ (إلَى بَلَدٍ آخَرَ) بِنَاءً عَلَى الْعِلَّةِ الْأُولَى سَوَاءٌ كَانَتْ وَطَنَ الْمُلْتَقِطِ أَمْ لَا سَافَرَ إلَيْهَا لِنَقْلِهِ أَمْ لَا كَمَا يَقْتَضِيهِ إطْلَاقُهُ، وَصَرَّحَ بِهِ الْمُتَوَلِّي. وَالثَّانِي يَمْتَنِعُ بِنَاءً عَلَى الْعِلَّةِ الثَّانِيَةِ.
تَنْبِيهٌ: مَحَلُّ الْخِلَافِ عِنْدَ أَمْنِ الطَّرِيقِ وَتَوَاصُلِ الْأَخْبَارِ، فَإِنْ كَانَ مَخُوفًا، أَوْ انْقَطَعَتْ الْأَخْبَارُ بَيْنَهُمَا لَمْ يُقَرَّ اللَّقِيطُ فِي يَدِهِ قَطْعًا، وَلَمْ يُفَرِّقْ الْجُمْهُورُ بَيْنَ مَسَافَةِ الْقَصْرِ وَدُونَهَا، وَجَعَلَ الْمَاوَرْدِيُّ الْخِلَافَ فِي مَسَافَةِ الْقَصْرِ، وَقَطَعَ فِيمَا دُونَهَا بِالْجَوَازِ وَمَنَعَهُ فِي الْكِفَايَةِ، فَمَا عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ هُوَ الْمُعْتَمَدُ.
المتن: وَأَنَّ لِلْغَرِيبِ إذَا الْتَقَطَ بِبَلَدٍ أَنْ يَنْقُلَهُ إلَى بَلَدِهِ، وَإِنْ وَجَدَهُ بِبَادِيَةٍ فَلَهُ نَقْلُهُ إلَى بَلَدٍ.
الشَّرْحُ: (وَ) الْأَصَحُّ (أَنَّ لِلْغَرِيبِ) الْمُخْتَبَرِ أَمَانَتَهُ (إذَا الْتَقَطَ بِبَلَدٍ أَنْ يَنْقُلَهُ إلَى بَلَدِهِ) بِهَاءِ الضَّمِيرِ بِخَطِّهِ لِلْمَعْنَى الْأَصَحِّ لِتَقَارُبِ الْمَعِيشَةِ. وَالثَّانِي لَا، لِلْمَعْنَى الثَّانِي وَهُوَ ضَيَاعُ النَّسَبِ.
تَنْبِيهٌ: مَحَلُّ الْخِلَافِ فِي الْغَرِيبِ الْمُخْتَبَرِ أَمَانَتُهُ كَمَا مَرَّ، فَإِنْ جُهِلَ حَالُهُ لَمْ يُقَرَّ بِيَدِهِ قَطْعًا مَعَ أَنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ لَا حَاجَةَ لِذِكْرِهَا لِدُخُولِهَا فِي الْمَسْأَلَةِ قَبْلَهَا، وَالنَّقْلُ مِنْ بَادِيَةٍ إلَى بَادِيَةٍ وَمِنْ قَرْيَةٍ إلَى قَرْيَةٍ كَالنَّقْلِ مِنْ بَلَدٍ إلَى بَلَدٍ (وَإِنْ وَجَدَهُ) أَيْ اللَّقِيطُ بَلَدِيٌّ (بِبَادِيَةٍ) فِي حِلَّةٍ أَوْ قَبِيلَةٍ (فَلَهُ نَقْلُهُ إلَى) قَرْيَةٍ وَإِلَى (بَلَدٍ) يَقْصِدُهُ؛ لِأَنَّهُ أَرْفَقُ بِهِ. وَقِيلَ وَجْهَانِ بِنَاءً عَلَى الْعِلَّتَيْنِ، فَإِنْ كَانَتْ الْبَادِيَةُ فِي مَهْلَكَةٍ فَلَهُ نَقْلُهُ لِمَقْصَدِهِ قَطْعًا.
المتن: وَإِنْ وَجَدَهُ بَدَوِيٌّ بِبَلَدٍ فَكَالْحَضَرِيِّ أَوْ بِبَادِيَةٍ أُقِرَّ بِيَدِهِ، وَقِيلَ إنْ كَانُوا يَنْتَقِلُونَ لِلنُّجْعَةِ لَمْ يُقَرَّ.
الشَّرْحُ: (وَإِنْ وَجَدَهُ) قَرَوِيٌّ أَوْ (بَدَوِيٌّ بِبَلَدٍ فَكَالْحَضَرِيِّ) فَإِنْ أَرَادَ الْمُقَامَ بِهِ أُقِرَّ بِيَدِهِ، أَوْ نَقْلَهُ إلَى بَلَدٍ أَوْ بَادِيَةٍ فَعَلَى مَا تَقَدَّمَ. (أَوْ) وَجَدَهُ الْبَدَوِيُّ (بِبَادِيَةٍ أُقِرَّ بِيَدِهِ) وَإِنْ كَانَ أَهْلُ حِلَّتِهِ يَنْتَقِلُونَ؛ لِأَنَّهَا فِي حَقِّهِ كَبَلْدَةٍ أَوْ قَرْيَةٍ (وَقِيلَ إنْ كَانُوا يَنْتَقِلُونَ لِلنُّجْعَةِ) بِضَمِّ النُّونِ وَسُكُونِ الْجِيمِ وَهِيَ الِانْتِقَالُ فِي طَلَبِ الْمَرْعَى وَغَيْرِهِ (لَمْ يُقَرَّ)؛ لِأَنَّ فِيهِ تَضْيِيعًا لِنَسَبِهِ، وَالْبَدَوِيُّ سَاكِنُ الْبَادِيَةِ، وَالْحَضَرِيُّ سَاكِنُ الْحَاضِرَةِ، وَهِيَ خِلَافُ الْبَادِيَةِ، وَالْبَلَدِيُّ سَاكِنُ الْبَلَدِ، وَالْقَرَوِيُّ سَاكِنُ الْقَرْيَةِ.
المتن: وَنَفَقَتُهُ فِي مَالِهِ الْعَامِّ كَوَقْفٍ عَلَى اللُّقَطَاءِ، أَوْ الْخَاصِّ وَهُوَ مَا اخْتَصَّ بِهِ كَثِيَابٍ مَلْفُوفَةٍ عَلَيْهِ وَمَفْرُوشَةٍ تَحْتَهُ وَمَا فِي جَيْبِهِ مِنْ دَرَاهِمَ وَغَيْرِهَا وَمَهْدِهِ وَدَنَانِيرَ مَنْثُورَةٍ فَوْقَهُ وَتَحْتَهُ.
الشَّرْحُ: (وَنَفَقَتُهُ) أَيْ اللَّقِيطِ وَمُؤْنَةُ حَضَانَتِهِ لَيْسَتْ عَلَى الْمُلْتَقِطِ بَلْ (فِي مَالِهِ) كَغَيْرِهِ (الْعَامِّ كَوَقْفٍ عَلَى اللُّقَطَاءِ) وَالْوَصِيَّةُ لَهُمْ. فَإِنْ قِيلَ كَيْفَ يَصِحُّ الْوَقْفُ عَلَيْهِمْ وَوُجُودُهُمْ لَا يَتَحَقَّقُ بِخِلَافِ الْوَقْفِ عَلَى الْفُقَرَاءِ. أُجِيبَ بِأَنَّ الْجِهَةَ لَا يُشْتَرَطُ فِيهَا الْوُجُودُ وَإِلَّا لَمْ يُصْرَفْ إلَى مَنْ حَدَثَ. فَإِنْ قِيلَ: قَدْ يُتَوَقَّفُ فِي هَذَا الْجَوَابِ، وَيُقَالُ لَا بُدَّ مِنْ وُجُودِ مَنْ يُمْكِنُ الصَّرْفُ إلَيْهِ. أُجِيبَ بِأَنَّ الْمَوْقُوفَ عَلَيْهِ الْجِهَةُ وَيَكْفِي إمْكَانُهَا.
تَنْبِيهٌ: إضَافَةُ الْمَالِ إلَى اللَّقِيطِ فِيهِ تَجَوُّزٌ فَإِنَّهُ فِي الْحَقِيقَةِ لَيْسَ هُوَ مَالَهُ بَلْ مَالُ الْجِهَةِ الْعَامَّةِ، وَلَكِنَّ الْمُرَادَ أَنَّهُ يُصْرَفُ إلَيْهِ مِنْهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِلْكَهُ لِعُمُومِ كَوْنِهِ لَقِيطًا أَوْ مُوصًى لَهُ، وَقَدْ يَكُونُ الْمَالُ لَهُ بِخُصُوصِهِ كَالْوَقْفِ عَلَيْهِ نَفْسِهِ أَوْ الْهِبَةِ أَوْ الْوَصِيَّةِ لَهُ، وَيَقْبَلُ لَهُ الْقَاضِي مِنْ ذَلِكَ مَا يَحْتَاجُ إلَى الْقَبُولِ (أَوْ) نَفَقَةُ اللَّقِيطِ فِي مَالِهِ (الْخَاصِّ، وَهُوَ مَا اخْتَصَّ بِهِ كَثِيَابٍ مَلْفُوفَةٍ عَلَيْهِ) وَمَلْبُوسَةٍ لَهُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ وَأَسْقَطَهُ مِنْ الرَّوْضَةِ لِفَهْمِهِ مِمَّا ذُكِرَ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى (وَمَفْرُوشَةٍ تَحْتَهُ) وَمُغَطًّى بِهَا وَدَابَّةٍ مَشْدُودَةٍ فِي وَسَطِهِ أَوْ عِنَانِهَا بِيَدِهِ أَوْ رَاكِبًا عَلَيْهَا (وَمَا فِي جَيْبِهِ مِنْ دَرَاهِمَ وَغَيْرِهَا) كَذَهَبٍ وَحُلِيٍّ (وَمَهْدِهِ) وَهُوَ سَرِيرُهُ الَّذِي هُوَ فِيهِ (وَدَنَانِيرَ مَنْثُورَةٍ فَوْقَهُ وَ) مَنْثُورَةٍ (تَحْتَهُ)؛ لِأَنَّ لَهُ يَدًا وَاخْتِصَاصًا كَالْبَالِغِ وَالْأَصْلُ الْحُرِّيَّةُ مَا لَمْ يُعْرَفْ غَيْرُهَا.
تَنْبِيهٌ: قَضِيَّةُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَغَيْرِهِ التَّخْيِيرُ فِي الْإِنْفَاقِ عَلَيْهِ مِنْ الْعَامِّ وَالْخَاصِّ وَهُوَ كَذَلِكَ وَإِنْ قَالَ فِي التَّوْشِيحِ: لَمْ أَجِدْ فِيهِ نَقْلًا، وَقَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ الْأَفْقَهُ تَقْدِيمُ الْخَاصِّ فَلَا يُنْفَقُ مِنْ الْعَامِّ إلَّا عِنْدَ فَقْدِ الْخَاصِّ.
المتن: وَإِنْ وُجِدَ فِي دَارٍ فَهِيَ لَهُ، وَلَيْسَ لَهُ مَالٌ مَدْفُونٌ تَحْتَهُ وَكَذَا ثِيَابٌ وَأَمْتِعَةٌ مَوْضُوعَةٌ بِقُرْبِهِ فِي الْأَصَحِّ، فَإِنْ لَمْ يُعْرَفْ لَهُ مَالٌ فَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ يُنْفَقُ عَلَيْهِ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ قَامَ الْمُسْلِمُونَ بِكِفَايَتِهِ قَرْضًا، وَفِي قَوْلٍ نَفَقَةً.
الشَّرْحُ: (وَإِنْ وُجِدَ فِي دَارٍ) وَنَحْوِهَا كَحَانُوتٍ وَلَا يُعْرَفُ لَهَا مُسْتَحِقٌّ لَيْسَ فِيهَا غَيْرُهُ (فَهِيَ) أَيْ الدَّارُ وَنَحْوُهَا (لَهُ) لِلْيَدِ وَلَا مُزَاحِمَ وَإِنْ وُجِدَ فِيهَا غَيْرُهُ كَلَقِيطَيْنِ أَوْ لَقِيطٍ وَغَيْرِهِ فَهِيَ لَهُمَا كَمَا لَوْ كَانَا عَلَى دَابَّةٍ فَلَوْ رَكِبَهَا أَحَدُهُمَا وَمَسَكَ الْآخَرُ زِمَامَهَا فَهِيَ لِلرَّاكِبِ فَقَطْ لِتَمَامِ الِاسْتِيلَاءِ، وَمَا فِي الرَّوْضَةِ عَنْ ابْنِ كَجٍّ مِنْ أَنَّهَا بَيْنَهُمَا. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَجْهٌ، وَالْمَذْهَبُ الصَّحِيحُ أَنَّ الْيَدَ لِلرَّاكِبِ وَلَوْ كَانَ عَلَى الْأَرْضِ وَزِمَامُهَا بِيَدِهِ أَوْ مَرْبُوطَةٌ بِهِ فَهِيَ لَهُ وَكُلُّ مَا عَلَى الدَّابَّةِ الَّتِي حُكِمَ بِأَنَّهَا لَهُ لَهُ، وَلَا يُحْكَمُ لَهُ بِبُسْتَانٍ وُجِدَ فِيهِ فِي أَحَدِ وَجْهَيْنِ يَظْهَرُ تَرْجِيحُهُ كَمَا رَجَّحَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ بِخِلَافِ الدَّارِ؛ لِأَنَّ سُكْنَاهَا تَصَرُّفٌ، وَالْحُصُولُ فِي الْبُسْتَانِ لَيْسَ تَصَرُّفًا وَلَا سُكْنَى، وَقَضِيَّةُ هَذَا التَّعْلِيلِ أَنَّهُ إذَا كَانَ يُسْكَنُ عَادَةً يَكُونُ كَالدَّارِ، وَلَا يُحْكَمُ لَهُ بِضَيْعَةٍ وُجِدَ فِيهَا، كَمَا قَالَ فِي الرَّوْضَةِ يَنْبَغِي الْقَطْعُ بِأَنَّهُ لَا يُحْكَمُ لَهُ بِهَا.
تَنْبِيهٌ: الْمُرَادُ بِكَوْنِ مَا ذُكِرَ لَهُ صَلَاحِيَةُ التَّصَرُّفِ فِيهِ وَدَفْعِ الْمُنَازِعِ لَهُ لَا أَنَّهُ طَرِيقٌ لِلْحُكْمِ بِصِحَّةِ مِلْكِهِ ابْتِدَاءً؛ فَلَا يَسُوغُ لِلْحَاكِمِ بِمُجَرَّدِ ذَلِكَ أَنْ يَقُولَ ثَبَتَ عِنْدِي أَنَّهُ مِلْكُهُ نَبَّهَ عَلَى ذَلِكَ الزَّرْكَشِيُّ (وَلَيْسَ لَهُ) أَيْ اللَّقِيطِ (مَالٌ مَدْفُونٌ) وَلَوْ كَانَ (تَحْتَهُ) وَفِيهِ رُقْعَةٌ مَكْتُوبٌ فِيهَا أَنَّ الدَّفِينَ لَهُ؛ لِأَنَّ الْكَبِيرَ الْعَاقِلَ لَوْ كَانَ جَالِسًا عَلَى أَرْضٍ تَحْتَهَا دَفِينٌ لَمْ يُحْكَمْ لَهُ بِهِ، وَحُكْمُ هَذَا الْمَالِ إنْ كَانَ مِنْ دَفِينِ الْجَاهِلِيَّةِ فَرِكَازٌ وَإِلَّا فَلُقَطَةٌ. نَعَمْ إنْ حُكِمَ بِأَنَّ الْمَكَانَ لَهُ فَهُوَ لَهُ مَعَ الْمَكَانِ صَرَّحَ بِهِ الدَّارِمِيُّ وَغَيْرُهُ. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَلَوْ وُجِدَ خَيْطٌ مُتَّصِلٌ بِالدَّفِينِ مَرْبُوطٌ بِبَعْضِ بَدَنِهِ أَوْ ثِيَابِهِ وَجَبَ الْجَزْمُ بِأَنَّهُ يُقْضَى لَهُ بِهِ، وَلَا شَكَّ فِيهِ إذَا انْضَمَّتْ الرُّقْعَةُ إلَيْهِ (وَكَذَا ثِيَابٌ وَأَمْتِعَةٌ) وَدَابَّةٌ (مَوْضُوعَةٌ بِقُرْبِهِ) لَيْسَتْ لَهُ (فِي الْأَصَحِّ)؛ لِأَنَّ يَدَهُ لَا تَثْبُتُ إلَّا عَلَى مَا اتَّصَلَ بِهِ، بِخِلَافِ الْمَوْجُودِ بِقُرْبِ الْمُكَلَّفِ فَإِنَّهُ يُحْكَمُ بِمِلْكِهِ لَهُ؛ لِأَنَّ لَهُ رِعَايَةً. وَالثَّانِي أَنَّهَا عَمَلًا بِالظَّاهِرِ، وَعَلَى الْأَوَّلِ لَوْ حُكِمَ بِأَنَّ الْمَكَانَ لَهُ كَانَ ذَلِكَ لَهُ مَعَ الْمَكَانِ كَمَا يُؤْخَذُ مِمَّا مَرَّ، وَصَرَّحَ بِهِ الْمُصَنِّفُ فِي نُكَتِهِ وَخَرَجَ بِقُرْبِهِ الْبَعِيدَةُ عَنْهُ فَلَا تَكُونُ لَهُ جَزْمًا.
تَنْبِيهٌ: لَمْ يَتَعَرَّضُوا لِضَبْطِ الْقُرْبِ. قَالَ السُّبْكِيُّ وَالْمُحَالُ عَلَيْهِ فِيهِ الْعُرْفُ (فَإِنْ لَمْ يُعْرَفْ لَهُ) أَيْ اللَّقِيطِ (مَالٌ) عَامٌّ وَلَا خَاصٌّ (فَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ يُنْفِقُ عَلَيْهِ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ) مِنْ سَهْمِ الْمَصَالِحِ بِلَا رُجُوعٍ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الرَّوْضَةِ؛ لِأَنَّ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ اسْتَشَارَ الصَّحَابَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ فِي ذَلِكَ، فَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهَا فِي بَيْتِ الْمَالِ، وَقِيَاسًا عَلَى الْبَالِغِ الْمُعْسِرِ بَلْ أَوْلَى. وَالثَّانِي الْمَنْعُ بَلْ يُقْتَرَضُ عَلَيْهِ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ أَوْ غَيْرِهِ لِجَوَازِ أَنْ يَظْهَرَ لَهُ مَالٌ (فَإِنْ لَمْ يَكُنْ) فِي بَيْتِ الْمَالِ شَيْءٌ أَوْ كَانَ وَثَمَّ مَا هُوَ أَهَمُّ مِنْ ذَلِكَ كَسَدِّ ثَغْرٍ يَعْظُمُ ضَرَرُهُ لَوْ تُرِكَ أَوْ حَالَتْ الظُّلْمَةُ دُونَهُ اقْتَرَضَ لَهُ الْإِمَامُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ فِي ذِمَّةِ اللَّقِيطِ كَالْمُضْطَرِّ إلَى الطَّعَامِ فَإِنْ تَعَذَّرَ الِاقْتِرَاضُ (قَامَ الْمُسْلِمُونَ بِكِفَايَتِهِ قَرْضًا) بِالْقَافِ بِخَطِّهِ حَتَّى يَثْبُتَ لَهُمْ الرُّجُوعُ بِمَا أَنْفَقُوا عَلَى اللَّقِيطِ وَيُقَسِّطُهَا الْإِمَامُ عَلَى الْأَغْنِيَاءِ مِنْهُمْ وَيَجْعَلُ نَفْسَهُ مِنْهُمْ، فَإِنْ تَعَذَّرَ اسْتِيعَابُهُمْ لِكَثْرَتِهِمْ قَسَّطَهَا عَلَى مَنْ رَآهُ مِنْهُمْ بِاجْتِهَادِهِ، فَإِنْ اسْتَوَوْا فِي اجْتِهَادِهِ تَخَيَّرَ، فَإِنْ ظَهَرَ لَهُ سَيِّدٌ رَجَعُوا عَلَيْهِ أَوْ ظَهَرَ لَهُ إذَا كَانَ حُرًّا مَالٌ أَوْ اكْتَسَبَهُ فَالرُّجُوعُ عَلَيْهِ أَوْ قَرِيبٌ رُجِعَ عَلَيْهِ. فَإِنْ قِيلَ نَفَقَةُ الْقَرِيبِ تَسْقُطُ بِمُضِيِّ الزَّمَانِ فَكَيْفَ يُطَالَبُ بِهَا قَرِيبُهُ؟. أُجِيبَ بِأَنَّ النَّفَقَةَ وَقَعَتْ قَرْضًا بِإِذْنِ الْحَاكِمِ وَالْحَاكِمُ إذَا اقْتَرَضَ النَّفَقَةَ عَلَى مَنْ تَلْزَمُهُ ثَبَتَ الرُّجُوعُ بِهَا، وَلَا تَسْقُطُ بِمُضِيِّ الزَّمَانِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ فِي بَابِهَا، فَإِنْ لَمْ يَظْهَرْ لَهُ مَالٌ وَلَا قَرِيبٌ وَلَا كَسْبٌ وَلَا لِلرَّقِيقِ سَيِّدٌ، فَالرُّجُوعُ عَلَى بَيْتِ الْمَالِ مِنْ سَهْمِ الْفُقَرَاءِ أَوْ الْغَارِمِينَ بِحَسَبِ مَا يَرَاهُ الْإِمَامُ، وَإِنْ حَصَلَ فِي بَيْتِ الْمَالِ شَيْءٌ قَبْلَ بُلُوغِهِ وَيَسَارِهِ قُضِيَ مِنْهُ، وَإِنْ حَصَلَ لَهُ مَالٌ مَعَ بَيْتِ الْمَالِ مَعًا فَمِنْ مَالِهِ وَسَوَاءٌ فِيمَا ذُكِرَ اللَّقِيطُ الْمَحْكُومُ بِإِسْلَامِهِ أَمْ بِكُفْرِهِ عَلَى الْأَصَحِّ، وَإِنْ صَحَّحَ فِي الْكِفَايَةِ خِلَافَهُ تَبَعًا لِلْمَاوَرْدِيِّ (وَفِي قَوْلٍ) يَقُومُ الْمُسْلِمُونَ بِكِفَايَتِهِ (نَفَقَةً)؛ لِأَنَّهُ مُحْتَاجٌ عَاجِزٌ، وَإِنْ قَامَ بِهَا بَعْضُهُمْ انْدَفَعَ الْحَرَجُ عَنْ الْبَاقِينَ.
تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ قَرْضًا وَنَفَقَةً مَنْصُوبَانِ بِنَزْعِ الْخَافِضِ أَيْ بِالْقَرْضِ وَالنَّفَقَةِ أَوْ عَلَى التَّمْيِيزِ أَيْ مِنْ جِهَةِ الْقَرْضِ وَالنَّفَقَةِ.
المتن: وَلِلْمُلْتَقِطِ الِاسْتِقْلَالُ بِحِفْظِ مَالِهِ فِي الْأَصَحِّ وَلَا يُنْفِقُ عَلَيْهِ مِنْهُ إلَّا بِإِذْنِ الْقَاضِي قَطْعًا.
الشَّرْحُ: (وَلِلْمُلْتَقِطِ الِاسْتِقْلَالُ بِحِفْظِ مَالِهِ) أَيْ اللَّقِيطِ (فِي الْأَصَحِّ)؛ لِأَنَّهُ مُسْتَقِلٌّ بِحِفْظِ الْمَالِكِ فَمَالُهُ أَوْلَى، وَمَحَلُّهُ كَمَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ فِي الْعَدْلِ الَّذِي يَجُوزُ إيدَاعُ مَالِ الْيَتِيمِ عِنْدَهُ، وَالثَّانِي يَحْتَاجُ إلَى إذْنِ الْقَاضِي، وَعَلَى الْأَوَّلِ لَيْسَ لَهُ مُخَاصَمَةُ مَنْ نَازَعَهُ فِيهِ إلَّا بِوِلَايَةٍ مِنْ الْحَاكِمِ (وَلَا يُنْفِقُ عَلَيْهِ مِنْهُ) أَيْ مِنْ مَالٍ اللَّقِيطِ (إلَّا بِإِذْنِ الْقَاضِي)؛ لِأَنَّ وِلَايَةَ الْمَالِ لَا تَثْبُتُ لِقَرِيبٍ غَيْرِ الْأَبِ وَالْجَدِّ فَالْأَجْنَبِيُّ أَوْلَى، فَإِنْ أَنْفَقَ بِغَيْرِ إذْنِهِ ضَمِنَ وَقَوْلُهُ (قَطْعًا) تَبِعَ فِيهِ الْإِمَامَ، وَلَيْسَ فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا بَلْ فِيهِمَا وَجْهٌ حَكَاهُ ابْنُ كَجٍّ أَنَّهُ إنْ أَنْفَقَ بِغَيْرِ إذْنِهِ لَمْ يَضْمَنْ، وَمُقْتَضَاهُ أَنَّ إذْنَ الْقَاضِي لَيْسَ شَرْطًا، وَقَدْ حَكَى الرَّافِعِيُّ الْخِلَافَ فِي الدَّعَاوَى وَحَكَاهُ الْمَاوَرْدِيُّ هُنَا.
تَنْبِيهٌ: مَحَلُّ وُجُوبِ مُرَاجَعَةِ الْحَاكِمِ إذَا وَجَدَهُ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْهُ أَنْفَقَ وَأَشْهَدَ وُجُوبًا، وَقَوْلُ ابْنِ الرِّفْعَةِ " كُلَّ مَرَّةٍ فِيهِ " حَرَجٌ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يُكَلَّفُ ذَلِكَ، فَإِنْ لَمْ يُشْهِدْ مَعَ الْإِمْكَانِ ضَمِنَ.
المتن: إذَا وُجِدَ لَقِيطٌ بِدَارِ الْإِسْلَامِ وَفِيهَا أَهْلُ ذِمَّةٍ أَوْ بِدَارٍ فَتَحُوهَا وَأَقَرُّوهَا بِيَدِ كُفَّارٍ صُلْحًا أَوْ بَعْدَ مِلْكِهَا بِجِزْيَةٍ، وَفِيهَا مُسْلِمٌ حُكِمَ بِإِسْلَامِ اللَّقِيطِ، وَإِنْ وُجِدَ بِدَارِ كُفَّارٍ فَكَافِرٌ إنْ لَمْ يَسْكُنْهَا مُسْلِمٌ وَإِنْ سَكَنَهَا مُسْلِمٌ كَأَسِيرٍ وَتَاجِرٍ فَمُسْلِمٌ فِي الْأَصَحِّ.
الشَّرْحُ: فَصْلٌ فِي الْحُكْمِ بِإِسْلَامِ اللَّقِيطِ أَوْ كُفْرِهِ بِتَبَعِيَّةِ الدَّارِ وَغَيْرِهَا (إذَا وُجِدَ لَقِيطٌ بِدَارِ الْإِسْلَامِ) بِأَنْ سَكَنَهَا الْمُسْلِمُونَ (وَ) إنْ كَانَ (فِيهَا أَهْلُ ذِمَّةٍ) أَوْ مُعَاهَدُونَ؛ كَمَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ (أَوْ) وُجِدَ لَقِيطًا (بِدَارٍ فَتَحُوهَا)؛ أَيْ الْمُسْلِمُونَ (وَأَقَرُّوهَا) قَبْلَ مِلْكِهَا (بِيَدِ كُفَّارٍ صُلْحًا) أَيْ عَلَى جِهَتِهِ، (أَوْ) أَقَرَّهَا الْمُسْلِمُونَ بِيَدِ كُفَّارٍ (بَعْدَ مِلْكِهَا) عَنْوَةً (بِجِزْيَةٍ) أَوْ كَانُوا يَسْكُنُونَهَا ثُمَّ جَلَاهُمْ الْكُفَّارُ عَنْهَا (وَفِيهَا مُسْلِمٌ) فِي الصُّوَرِ الْأَرْبَعِ يُمْكِنُ أَنْ يُولَدَ لِلْمُسْلِمِ ذَلِكَ اللَّقِيطُ، وَلَوْ كَانَ الْمُسْلِمُ أَسِيرًا مُنْتَشِرًا أَوْ تَاجِرًا أَوْ مُجْتَازًا أَوْ نَفَاهُ (حُكِمَ بِإِسْلَامِ اللَّقِيطِ) فِي الْمَسَائِلِ الْأَرْبَعِ تَغْلِيبًا لِلْإِسْلَامِ، وَفِي مُسْنَدِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ وَالدَّارَقُطْنِيّ {الْإِسْلَامُ يَعْلُو وَلَا يُعْلَى عَلَيْهِ}.
تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ وَفِيهَا أَهْلُ ذِمَّةٍ لَيْسَ بِقَيْدٍ كَمَا يُعْلَمُ مِمَّا قَدَّرْتُهُ تَبَعًا لِلرَّوْضَةِ، وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِ أَنَّهُ يُحْكَمُ بِإِسْلَامِ اللَّقِيطِ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ مُطْلَقًا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهَا مُسْلِمٌ، وَلَيْسَ مُرَادًا كَمَا يُعْلَمُ مِمَّا قَدَّرْتُهُ أَيْضًا، فَقَدْ قَالَ الدَّارِمِيُّ إنَّمَا يُحْكَمُ بِإِسْلَامِهِ إذَا كَانَ فِي الْقَرْيَةِ مُسْلِمٌ. أَمَّا لَوْ كَانَ جَمِيعُ مَنْ فِيهَا كُفَّارًا فَهُوَ كَافِرٌ، وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِ أَيْضًا أَنَّ الْمَعْطُوفَ عَلَى دَارِ الْإِسْلَامِ لَيْسَ دَارَ إسْلَامٍ وَلَيْسَ مُرَادًا، فَقَدْ صَرَّحَ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ أَنَّ الْجَمِيعَ دَارُ إسْلَامٍ، وَإِذَا وُجِدَ اللَّقِيطُ بِدَارِ الْإِسْلَامِ وَلَا مُشْرِكَ فِيهَا كَالْحَرَمِ، فَهُوَ مُسْلِمٌ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا كَمَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَإِلَّا فَفِي الظَّاهِرِ (وَإِنْ وُجِدَ) اللَّقِيطُ (بِدَارِ كُفَّارٍ) وَهِيَ دَارُ الْحَرْبِ (فَكَافِرٌ) ذَلِكَ اللَّقِيطُ (إنْ لَمْ يَسْكُنْهَا مُسْلِمٌ) إذْ لَا مُسْلِمَ يُحْتَمَلُ إلْحَاقُهُ بِهِ. ثُمَّ إنْ كَانَ أَهْلُ الْبُقْعَةِ مِلَلًا جُعِلَ مِنْ أَقْرَبِهِمْ إلَى الْإِسْلَامِ.
تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّ الْمُجْتَازَ لَا أَثَرَ لَهُ. لَكِنْ قَالَ الْفُورَانِيُّ إذَا اجْتَازَ بِهَا مُسْلِمٌ فَهُوَ مُسْلِمٌ، وَيُؤْخَذُ مِمَّا مَرَّ أَنَّهُ إنْ أَمْكَنَ كَوْنُهُ مِنْهُ فَهُوَ مُسْلِمٌ، وَإِلَّا فَلَا (وَإِنْ سَكَنَهَا مُسْلِمٌ كَأَسِيرٍ وَتَاجِرٍ)، يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ وَلَدَهُ (فَمُسْلِمٌ فِي الْأَصَحِّ) تَغْلِيبًا لِلْإِسْلَامِ، فَإِنْ أَنْكَرَهُ ذَلِكَ الْمُسْلِمُ قُبِلَ فِي نَفْيِ نَسَبِهِ دُونَ إسْلَامِهِ كَمَا مَرَّتْ الْإِشَارَةُ إلَيْهِ. وَالثَّانِي كَافِرٌ تَغْلِيبًا لِلدَّارِ.
تَنْبِيهٌ: قَالَ الْإِمَامُ الْخِلَافُ فِي أَسِيرٍ يَنْتَشِرُ إلَّا أَنَّهُ مَمْنُوعٌ مِنْ الْخُرُوجِ مِنْ الْبَلَدِ. أَمَّا الْمَحْبُوسُ فِي مَطْمُورَةٍ فَيُتَّجَهُ أَنَّهُ لَا أَثَرَ لَهُ كَمَا لَا أَثَرَ لِلْمُجْتَازِ ا هـ. وَهُوَ ظَاهِرٌ كَمَا قَالَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ إذَا لَمْ يَكُنْ فِي الْمَحْبُوسِينَ امْرَأَةٌ، وَحَاصِلُهُ حَيْثُ أَمْكَنَ كَوْنُهُ مِنْهُ حُكِمَ بِإِسْلَامِهِ فَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ الْمُسْلِمُ بِهَا وَقْتَ الْعُلُوقِ. أَمَّا لَوْ طَرَقَهَا مُسْلِمٌ ثُمَّ بَعْدَ شَهْرٍ مَثَلًا وُجِدَ بِهَا مَنْبُوذٌ لَا يُحْكَمُ بِإِسْلَامِهِ لِاسْتِحَالَةِ كَوْنِهِ مِنْهُ، وَلَوْ وُجِدَ اللَّقِيطُ بِبَرِّيَّةٍ فَمُسْلِمٌ حَكَاهُ شَارِحُ التَّعْجِيزِ عَنْ جَدِّهِ، وَهُوَ ظَاهِرٌ إذَا كَانَتْ بَرِّيَّةَ دَارِنَا أَوْ بَرِّيَّةً لَا يَدَ لِأَحَدٍ عَلَيْهَا. أَمَّا بَرِّيَّةُ دَارِ الْحَرْبِ لَا يَطْرُقُهَا مُسْلِمٌ فَلَا، وَوَلَدُ الذِّمِّيَّةِ مِنْ الزِّنَا بِمُسْلِمٍ. قَالَ ابْنُ حَزْمٍ الظَّاهِرِيُّ: مُسْلِمٌ، وَالظَّاهِرُ كَمَا قَالَ شَيْخِي خِلَافُهُ؛ لِأَنَّ هَذَا مَقْطُوعُ النَّسَبِ عَنْهُ، وَسَيَأْتِي التَّنْبِيهُ عَلَى ذَلِكَ.
المتن: وَمَنْ حُكِمَ بِإِسْلَامِهِ بِالدَّارِ فَأَقَامَ ذِمِّيٌّ بَيِّنَةً بِنَسَبِهِ لَحِقَهُ وَتَبِعَهُ فِي الْكُفْرِ، وَإِنْ اقْتَصَرَ عَلَى الدَّعْوَى فَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ لَا يَتْبَعُهُ فِي الْكُفْرِ، وَيُحْكَمُ بِإِسْلَامِ الصَّبِيِّ بِجِهَتَيْنِ أُخْرَيَيْنِ لَا تُفْرَضَانِ فِي لَقِيطٍ: إحْدَاهُمَا الْوِلَادَةُ، فَإِذَا كَانَ أَحَدُ أَبَوَيْهِ مُسْلِمًا وَقْتَ الْعُلُوقِ فَهُوَ مُسْلِمٌ، فَإِنْ بَلَغَ وَوَصَفَ كُفْرًا فَمُرْتَدٌّ، وَلَوْ عُلِّقَ بَيْنَ كَافِرَيْنِ ثُمَّ أَسْلَمَ أَحَدُهُمَا حُكِمَ بِإِسْلَامِهِ، فَإِنْ بَلَغَ وَوَصَفَ كُفْرًا فَمُرْتَدٌّ، وَفِي قَوْلٍ كَافِرٌ أَصْلِيٌّ.
الشَّرْحُ: (وَ) تَبَعِيَّةُ الدَّارِ ضَعِيفَةٌ وَحِينَئِذٍ (مَنْ حُكِمَ بِإِسْلَامِهِ بِالدَّارِ فَأَقَامَ ذِمِّيٌّ) أَوْ مُعَاهَدٌ أَوْ مُسْتَأْمَنٌ كَمَا قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ (بَيِّنَةً بِنَسَبِهِ لَحِقَهُ)؛ لِأَنَّهُ كَالْمُسْلِمِ النَّسَبُ (وَتَبِعَهُ فِي الْكُفْرِ) وَارْتَفَعَ مَا ظَنَنَّاهُ مِنْ إسْلَامِهِ؛ لِأَنَّ الدَّارَ حُكْمٌ بِالْيَدِ، وَالْبَيِّنَةُ أَقْوَى مِنْ الْيَدِ الْمُجَرَّدَةِ، هَذَا إنْ شَهِدَ عَدْلَانِ، وَإِنْ شَهِدَ أَرْبَعٌ مِنْ النِّسْوَةِ، فَفِي الْحُكْمِ بِتَبَعِيَّتِهِ فِي الْكُفْرِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا الدَّارِمِيُّ، وَكَذَا لَوْ أَلْحَقَهُ الْقَائِفُ، وَيُؤْخَذُ مِنْ الْعِلَّةِ التَّبَعِيَّةُ وَمِنْ قَوْلِهِ (وَإِنْ اقْتَصَرَ عَلَى الدَّعْوَى) بِأَنَّهُ ابْنُهُ (فَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ لَا يَتْبَعُهُ فِي الْكُفْرِ) وَإِنْ لَحِقَهُ فِي النَّسَبِ لِأَنَّا حَكَمْنَا بِإِسْلَامِهِ فَلَا نُغَيِّرُهُ بِمُجَرَّدِ دَعْوَى كَافِرٍ، وَيَجُوزُ كَوْنُهُ وَلَدَهُ مِنْ مُسْلِمَةٍ بِوَطْءِ شُبْهَةٍ وَيُحَالُ بَيْنَهُمَا كَمَا يُحَالُ بَيْنَ الصَّبِيِّ الْمُمَيِّزِ إذَا وَصَفَ الْإِسْلَامَ وَبَيْنَ أَبِيهِ. وَسَيَأْتِي هَلْ ذَلِكَ وَاجِبٌ أَوْ مَنْدُوبٌ. وَالطَّرِيقُ الثَّانِي فِيهِ قَوْلَانِ ثَانِيهِمَا يَتْبَعُهُ فِي الْكُفْرِ كَالنَّسَبِ (وَيُحْكَمُ) أَيْضًا (بِإِسْلَامِ الصَّبِيِّ بِجِهَتَيْنِ أُخْرَيَيْنِ) غَيْرِ تَبَعِيَّةِ الدَّارِ (لَا تُفْرَضَانِ فِي اللَّقِيطِ) وَإِنَّمَا ذُكِرَا فِي بَابِهِ اسْتِطْرَادًا (إحْدَاهُمَا) وَهِيَ أَقْوَاهُمَا (الْوِلَادَةُ، فَإِذَا كَانَ أَحَدُ أَبَوَيْهِ مُسْلِمًا وَقْتَ الْعُلُوقِ فَهُوَ) أَيْ الصَّبِيُّ أَيْ الصَّغِيرُ الشَّامِلُ لِلْأُنْثَى وَالْخُنْثَى (مُسْلِمٌ) بِإِجْمَاعٍ وَتَغْلِيبًا لِلْإِسْلَامِ، وَلَا يَضُرُّ مَا يَطْرَأُ بَعْدَ الْعُلُوقِ مِنْهُمَا مِنْ رِدَّةٍ (فَإِنْ بَلَغَ) الصَّغِيرُ الْمُسْلِمُ بِالتَّبَعِيَّةِ لِأَحَدِ أَبَوَيْهِ (وَوَصَفَ كُفْرًا) بِأَنْ أَعْرَبَ بِهِ عَنْ نَفْسِهِ كَمَا فِي الْمُحَرَّرِ (فَمُرْتَدٌّ)؛ لِأَنَّهُ مُسْلِمٌ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا (وَلَوْ عَلِقَ بَيْنَ كَافِرَيْنِ ثُمَّ أَسْلَمَ أَحَدُهُمَا) قَبْلَ بُلُوغِهِ (حُكِمَ بِإِسْلَامِهِ) حَالًا سَوَاءٌ أَسْلَمَ أَحَدُهُمَا قَبْلَ وَضْعِهِ أَمْ بَعْدَهُ قَبْلَ تَمْيِيزِهِ أَمْ بَعْدَهُ وَقَبْلَ بُلُوغِهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَاَلَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ}.
تَنْبِيهٌ: قَوْلُ الْمُصَنِّفِ ثُمَّ أَسْلَمَ أَحَدُهُمَا يُوهِمُ قَصْرَهُ عَلَى الْأَبَوَيْنِ، وَلَيْسَ مُرَادًا بَلْ فِي مَعْنَى الْأَبَوَيْنِ الْأَجْدَادُ وَالْجَدَّاتُ وَإِنْ لَمْ يَكُونُوا وَارِثِينَ وَكَانَ الْأَقْرَبُ حَيًّا. فَإِنْ قِيلَ إطْلَاقُ ذَلِكَ يَقْتَضِي إسْلَامَ جَمِيعِ الْأَطْفَالِ بِإِسْلَامِ أَبِيهِمْ آدَمَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ. أُجِيبَ بِأَنَّ الْكَلَامَ فِي جَدٍّ يُعْرَفُ النَّسَبُ إلَيْهِ بِحَيْثُ يَحْصُلُ بَيْنَهُمَا التَّوَارُثُ وَبِأَنَّ التَّبَعِيَّةَ فِي الْيَهُودِيَّةِ وَالنَّصْرَانِيَّة حُكْمٌ جَدِيدٌ، وَإِنَّمَا أَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ أَوْ يُنَصِّرَانِهِ، وَالْمَجْنُونُ الْمَحْكُومُ عَلَيْهِ بِكُفْرِهِ كَالصَّغِيرِ فِي تَبَعِيَّةِ أَحَدِ أُصُولِهِ فِي الْإِسْلَامِ إنْ بَلَغَ مَجْنُونًا، وَكَذَا إنْ بَلَغَ عَاقِلًا ثُمَّ جُنَّ فِي الْأَصَحِّ، وَتَقَدَّمَ عَنْ ابْنِ حَزْمٍ الظَّاهِرِيِّ أَنَّ الْمُسْلِمَ إذَا زَنَى بِكَافِرَةٍ يَكُونُ الْوَلَدُ مُسْلِمًا يَرُدُّهُ قَوْلُهُمْ أَسْلَمَ أَحَدُ أَبَوَيْهِ، وَهَذَا لَيْسَ كَذَلِكَ، وَيَدْخُلُ فِي قَوْلِ الْمُصَنِّفِ بَيْنَ كَافِرَيْنِ الْأَصْلِيَّانِ وَالْمُرْتَدَّانِ عَلَى تَرْجِيحِهِ مِنْ أَنَّ وَلَدَ الْمُرْتَدَّيْنِ مُرْتَدٌّ كَمَا سَيَأْتِي فِي كِتَابِ الرِّدَّةِ. أَمَّا عَلَى تَرْجِيحِ الرَّافِعِيِّ مِنْ أَنَّهُ مُسْلِمٌ فَلَا يَدْخُلُ ذَلِكَ (فَإِنْ بَلَغَ وَوَصَفَ) بَعْدَ بُلُوغِهِ (كُفْرًا فَمُرْتَدٌّ) فِي الْأَظْهَرِ لِسَبْقِ الْحُكْمِ بِإِسْلَامِهِ فَأَشْبَهَ مَنْ أَسْلَمَ بِنَفْسِهِ ثُمَّ ارْتَدَّ (وَفِي قَوْلٍ كَافِرٌ أَصْلِيٌّ)؛ لِأَنَّهُ كَانَ مَحْكُومًا بِكُفْرِهِ وَأُزِيلَ ذَلِكَ بِالْحُكْمِ بِالتَّبَعِيَّةِ، فَإِذَا اسْتَقَلَّ انْقَطَعَتْ فَيُعْتَبَرُ بِنَفْسِهِ.
تَنْبِيهٌ: مَحَلُّ الْخِلَافِ الْمَذْكُورِ إذَا لَمْ يَصْدُرْ مِنْهُ بَعْدَ الْبُلُوغِ وَصْفُ الْإِسْلَامِ، فَإِنْ وَصَفَهُ ثُمَّ وَصَفَ الْكُفْرَ فَمُرْتَدٌّ قَطْعًا، وَعَلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ لَا تُنْقَضُ الْأَحْكَامُ الْجَارِيَةُ عَلَيْهِ قَبْلَ الْحُكْمِ بِرِدَّتِهِ مِنْ إرْثٍ وَغَيْرِهِ مِنْ الْأَحْكَامِ حَتَّى لَا يَرُدَّ مَا أَخَذَهُ مِنْ تَرِكَةِ قَرِيبِهِ الْمُسْلِمِ، وَلَا يَأْخُذَ مِنْ تَرِكَةِ قَرِيبِهِ الْكَافِرِ مَا حَرَمْنَاهُ مِنْهُ، وَلَا يُحْكَمُ بِأَنَّ إعْتَاقَهُ عَنْ الْكَفَّارَةِ لَمْ يَقَعْ مُجْزِئًا؛ لِأَنَّهُ كَانَ مُسْلِمًا بَاطِنًا وَظَاهِرًا بِخِلَافِ مَا إذَا قُلْنَا: إنَّهُ كَافِرٌ أَصْلِيٌّ، فَإِنْ مَاتَ قَبْلَ الْبُلُوغِ وَقَبْلَ الْإِفْصَاحِ بِشَيْءٍ لَمْ يُنْقَضْ مَا حُكِمَ بِهِ مِنْ أَحْكَامِ إسْلَامِهِ فِي الصِّبَا، بِخِلَافِ مَا إذَا قُلْنَا: إنَّهُ كَافِرٌ أَصْلِيٌّ لَوْ أَقَرَّ بِالْكُفْرِ وَإِنْ حُكِمَ بِإِسْلَامِهِ تَبَعًا لِلدَّارِ فَبَلَغَ وَأَفْصَحَ بِالْكُفْرِ فَأَصْلِيٌّ لَا مُرْتَدٌّ فَيُقَرُّ عَلَى كُفْرِهِ وَيُنْقَضُ مَا أَمْضَيْنَاهُ مِنْ أَحْكَامِ الْإِسْلَامِ مِمَّا جَرَى فِي الصِّغَرِ وَبَعْدَ الْبُلُوغِ وَقَبْلَ الْإِفْصَاحِ بِشَيْءٍ، وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِمْ تَبَعِيَّةُ الدَّارِ ضَعِيفَةُ الْجِهَةِ.
المتن: الثَّانِيَةُ إذَا سَبَى مُسْلِمٌ طِفْلًا تَبِعَ السَّابِيَ فِي الْإِسْلَامِ إنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ أَحَدُ أَبَوَيْهِ، وَلَوْ سَبَاهُ ذِمِّيٌّ لَمْ يُحْكَمُ بِإِسْلَامِهِ فِي الْأَصَحِّ.
الشَّرْحُ:
تَنْبِيهٌ: سَبَى الذِّمِّيُّ الصَّبِيَّ أَوْ الْمَجْنُونَ وَبَاعَهُ لِمُسْلِمٍ أَوْ بَاعَهُ الْمُسْلِمُ الَّذِي سَبَاهُ مَعَ أَحَدِ أَبَوَيْهِ فِي جَيْشٍ وَاحِدٍ وَلَوْ دُونَ أَبَوَيْهِ مِنْ مُسْلِمٍ (الثَّانِيَةُ إذَا سَبَى مُسْلِمٌ طِفْلًا) أَوْ مَجْنُونًا (تَبِعَ السَّابِيَ) لَهُ (فِي الْإِسْلَامِ) فَيُحْكَمُ بِإِسْلَامِهِ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا (إنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ أَحَدُ أَبَوَيْهِ)؛ لِأَنَّهُ لَهُ عَلَيْهِ وِلَايَةٌ وَلَيْسَ مَعَهُ مَنْ هُوَ أَقْرَبُ إلَيْهِ مِنْهُ فَتَبِعَهُ كَالْأَبِ. قَالَ الْإِمَامُ: وَكَأَنَّ السَّابِيَ لَمَّا أَبْطَلَ حُرِّيَّتَهُ قَلَبَهُ قَلْبًا كُلِّيًّا، فَعُدِمَ عَمَّا كَانَ وَافْتُتِحَ لَهُ وُجُودٌ تَحْتَ يَدِ السَّابِي وَوِلَايَةٌ فَأَشْبَهَ تَوَلُّدَهُ بَيْنَ الْأَبَوَيْنِ الْمُسْلِمَيْنِ، وَسَوَاءٌ أَكَانَ السَّابِي بَالِغًا عَاقِلًا أَمْ لَا. أَمَّا إذَا سُبِيَ مَعَ أَحَدِ أَبَوَيْهِ فَإِنَّهُ لَا يَتْبَعُ السَّابِيَ جَزْمًا وَمَعَ كَوْنِ أَحَدِ أَبَوَيْ الطِّفْلِ مَعَهُ أَنْ يَكُونَا فِي جَيْشٍ وَاحِدٍ وَغَنِيمَةٍ وَاحِدَةٍ لَا أَنَّ مَالِكَهُمَا وَاحِدٌ بَلْ يَتْبَعُ أَحَدَ أَبَوَيْهِ فِي دِينِهِ وَإِنْ اخْتَلَفَ سَابِيهِمَا؛ لِأَنَّ تَبَعِيَّةَ الْأَصْلِ أَقْوَى مِنْ تَبَعِيَّةِ السَّابِي فَكَانَ أَوْلَى بِالِاسْتِتْبَاعِ، وَلَا يُؤَثِّرُ مَوْتُ الْأَصْلِ بَعْدُ؛ لِأَنَّ التَّبَعِيَّةَ إنَّمَا تَثْبُتُ فِي ابْتِدَاءِ السَّبْيِ (وَلَوْ سَبَاهُ ذِمِّيٌّ) وَحَمَلَهُ كَمَا قَالَ الْبَغَوِيّ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ أَوْ مُسْتَأْمَنٌ كَمَا قَالَهُ الدَّارِمِيُّ (لَمْ يُحْكَمْ بِإِسْلَامِهِ فِي الْأَصَحِّ)؛ لِأَنَّ كَوْنَهُ مِنْ أَهْلِ دَارِ الْإِسْلَامِ لَمْ يُؤَثِّرْ فِيهِ وَلَا فِي أَوْلَادِهِ فَكَيْفَ يُؤَثِّرُ فِي مَسْبِيِّهِ؛ وَلِأَنَّ تَبَعِيَّةَ الدَّارِ إنَّمَا تُؤَثِّرُ فِي حَقِّ مَنْ لَا يُعْرَفُ حَالُهُ وَلَا نَسَبُهُ. نَعَمْ هُوَ عَلَى دِينِ سَابِيهِ كَمَا ذَكَرَ الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ. وَالثَّانِي يُحْكَمُ بِإِسْلَامِهِ تَبَعًا لِلدَّارِ.
تَنْبِيهٌ: اُسْتُشْكِلَ حِكَايَةُ الْمُصَنِّفِ الْخِلَافَ بِأَنَّ الذِّمِّيَّ إذَا انْفَرَدَ بِأَخْذِهِ بِأَنْ سَرَقَهُ وَقُلْنَا يَخْتَصُّ بِهِ وَلَا يُخَمَّسُ فَيَنْبَغِي الْقَطْعُ بِالْأَصَحِّ، وَإِنْ قُلْنَا إنَّهُ غَنِيمَةٌ لِلْمُسْلِمِينَ وَهُوَ الْمَذْهَبُ وَيَدُ الذِّمِّيِّ نَائِبَةٌ عَنْهُمْ، فَيَنْبَغِي الْقَطْعُ بِإِسْلَامِهِ. وَجَوَّزَ ابْنُ الرِّفْعَةِ جَرَيَانَ الْخِلَافِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ لِتَعَارُضِ يَدِهِ وَحَقِّهِمْ، وَلَوْ سَبَاهُ مُسْلِمٌ وَذِمِّيٌّ حُكِمَ بِإِسْلَامِهِ تَغْلِيبًا لِحُكْمِ الْإِسْلَامِ، ذَكَرَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ وَلَوْ سَبَى الذِّمِّيُّ الصَّبِيَّ أَوْ الْمَجْنُونَ وَبَاعَهُ لِمُسْلِمٍ، أَوْ بَاعَهُ الْمُسْلِمُ الَّذِي سَبَاهُ مَعَ أَحَدِ أَبَوَيْهِ فِي جَيْشٍ وَاحِدٍ وَلَوْ دُونَ أَبَوَيْهِ مِنْ مُسْلِمٍ لَمْ يَتْبَعْ الْمُشْتَرِيَ لِفَوَاتِ وَقْتِ التَّبَعِيَّةِ؛ لِأَنَّهَا إنَّمَا تَثْبُتُ ابْتِدَاءً، وَلَوْ بَلَغَ الْمَحْكُومُ بِإِسْلَامِهِ تَبَعًا لِلسَّابِي وَوَصَفَ كُفْرًا كَانَ كَالْمَحْكُومِ بِإِسْلَامِهِ تَبَعًا لِأَحَدِ أُصُولِهِ. وَلَوْ جَنَى اللَّقِيطُ الْمَحْكُومُ بِإِسْلَامِهِ خَطَأً أَوْ شِبْهَ عَمْدٍ فَمُوجَبُهَا فِي بَيْتِ الْمَالِ، إذْ لَيْسَ لَهُ عَاقِلَةٌ خَاصَّةٌ أَوْ عَمْدًا وَهُوَ بَالِغٌ عَاقِلٌ اُقْتُصَّ مِنْهُ وَإِلَّا فَالدِّيَةُ مُغَلَّظَةٌ فِي مَالِهِ كَضَمَانِ مَالٍ أَتْلَفَهُ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَالٌ فَفِي ذِمَّتِهِ، وَإِنْ قَتَلَ خَطَأً أَوْ شِبْهَ عَمْدٍ فَفِيهِ دِيَةٌ كَامِلَةٌ عَمَلًا بِظَاهِرِ الْحُرِّيَّةِ تُوضَعُ فِي بَيْتِ الْمَالِ، وَأَرْشُ طَرَفِهِ لَهُ، وَإِنْ قُتِلَ عَمْدًا فَلِلْإِمَامِ أَنْ يَعْفُوَ عَلَى مَالٍ لَا مَجَّانًا؛ لِأَنَّهُ خِلَافُ مَصْلَحَةِ الْمُسْلِمِينَ أَوْ يَقْتَصَّ لَا بَعْدَ الْبُلُوغِ وَقَبْلَ الْإِفْصَاحِ بِالْإِسْلَامِ، بَلْ تَجِبُ دِيَتُهُ كَمَا صَحَّحَهُ الْمُصَنِّفُ وَصَوَّبَهُ فِي الْمُهِمَّاتِ، وَيَقْتَصُّ لِنَفْسِهِ فِي الطَّرَفِ إنْ أَفْصَحَ بِالْإِسْلَامِ بَعْدَ بُلُوغِهِ فَيُحْبَسُ قَاطِعُهُ قَبْلَ الْبُلُوغِ لَهُ إلَى الْبُلُوغِ وَالْإِفَاقَةِ، وَيَأْخُذُ الْوَلِيُّ وَلَوْ حَاكِمًا لَا وَصِيًّا الْأَرْشَ لِمَجْنُونٍ فَقِيرٍ لَا لِغَنِيٍّ وَلَا لِصَبِيٍّ غَنِيٍّ أَوْ فَقِيرٍ، فَلَوْ أَفَاقَ الْمَجْنُونُ وَأَرَادَ رَدَّ الْأَرْشِ لِيُقْتَصَّ مِنْهُ مُنِعَ.
المتن: وَلَا يَصِحُّ إسْلَامُ صَبِيٍّ مُمَيِّزٍ اسْتِقْلَالًا عَلَى الصَّحِيحِ.
الشَّرْحُ: وَلَمَّا فَرَغَ الْمُصَنِّفُ مِنْ إسْلَامِ التَّبَعِيَّةِ شَرَعَ فِي إسْلَامِ الْمُبَاشَرَةِ فَقَالَ (وَلَا يَصِحُّ إسْلَامُ صَبِيٍّ مُمَيِّزٍ اسْتِقْلَالًا عَلَى الصَّحِيحِ) الْمَنْصُوصِ فِي الْقَدِيمِ وَالْجَدِيدِ كَمَا قَالَهُ الْإِمَامُ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُكَلَّفٍ فَأَشْبَهَ غَيْرَ الْمُمَيِّزِ وَالْمَجْنُونَ وَهُمَا لَا يَصِحُّ إسْلَامُهُمَا اتِّفَاقًا كَمَا سَيَأْتِي؛ وَلِأَنَّ نُطْقَهُ بِالشَّهَادَتَيْنِ إمَّا خَبَرٌ وَإِمَّا إنْشَاءٌ، فَإِنْ كَانَ خَبَرًا فَخَبَرُهُ غَيْرُ مَقْبُولٍ، وَإِنْ كَانَ إنْشَاءً فَهُوَ كَعُقُودِهِ وَهِيَ بَاطِلَةٌ. وَالثَّانِي يَصِحُّ إسْلَامُهُ حَتَّى يَرِثَ مِنْ قَرِيبِهِ الْمُسْلِمِ؛ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَعَا عَلِيًّا رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ إلَى الْإِسْلَامِ قَبْلَ بُلُوغِهِ فَأَجَابَهُ؛ وَلِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِهِ غَيْرَ مُكَلَّفٍ بِهِ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ مِنْهُ كَالصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ وَسَائِرِ الْعِبَادَاتِ. قَالَ الْمَرْعَشِيُّ وَهُوَ الَّذِي أَعْرِفُهُ فِي مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ. وَأَجَابَ الْأَوَّلُ عَنْ قِصَّةِ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ بِأَنَّهُ كَانَ بَالِغًا عِنْدَ إسْلَامِهِ كَمَا نَقَلَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ فَعَلَى تَقْدِيرِ ثُبُوتِهِ فَلَا كَلَامَ، وَعَلَى عَدَمِ تَقْدِيرِهِ فَقَدْ ذَكَرَ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْمَعْرِفَةِ أَنَّ الْأَحْكَامَ إنَّمَا صَارَتْ مُعَلَّقَةً بِالْبُلُوغِ بَعْدَ الْهِجْرَةِ. قَالَ السُّبْكِيُّ وَهُوَ صَحِيحٌ؛ لِأَنَّ الْأَحْكَامَ إنَّمَا أُنِيطَتْ بِخَمْسَةَ عَشَرَ عَامَ الْخَنْدَقِ، فَقَدْ تَكُونُ مَنُوطَةً قَبْلَ ذَلِكَ بِسِنِّ التَّمْيِيزِ وَالْقِيَاسُ عَلَى الصَّلَاةِ وَنَحْوِهَا لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّ الْإِسْلَامَ لَا يُتَنَفَّلُ بِهِ، وَعَلَى هَذَا يُحَالُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَبَوَيْهِ الْكَافِرَيْنِ لِئَلَّا يَفْتِنُوهُ، وَهَذِهِ الْحَيْلُولَةُ مُسْتَحَبَّةٌ عَلَى الصَّحِيحِ فِي الشَّرْحِ وَالرَّوْضَةِ هُنَا فَيُتَلَطَّفُ بِوَالِدَيْهِ لِيُؤْخَذَ مِنْهُمَا، فَإِنْ أَبَيَا فَلَا حَيْلُولَةَ، وَقِيلَ إنَّهَا وَاجِبَةٌ، وَاخْتَارَهُ السُّبْكِيُّ احْتِيَاطًا لِلْإِسْلَامِ وَلَا نَمْنَعُهُ مِنْ الصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ وَغَيْرِهِمَا مِنْ الْعِبَادَاتِ كَمَا قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ أَخْذًا مِنْ كَلَامِ الشَّافِعِيِّ وَيَدْخُلُ بِإِسْلَامِهِ الْجَنَّةَ إذَا أَسَرَّهُ كَمَا أَظْهَرَهُ، وَيُعَبَّرُ عَنْهُ بِصِحَّةِ إسْلَامِهِ بَاطِنًا لَا ظَاهِرًا أَيْ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْآخِرَةِ دُونَ الدُّنْيَا، فَإِنْ بَلَغَ ثُمَّ وَصَفَ الْكُفْرَ هُدِّدَ وَطُولِبَ بِالْإِسْلَامِ، فَإِنْ أَصَرَّ رُدَّ إلَيْهِمَا، وَاحْتَرَزَ الْمُصَنِّفُ بِالْمُمَيِّزِ عَنْ غَيْرِهِ مِنْ صَبِيٍّ وَمَجْنُونٍ فَلَا يَصِحُّ إسْلَامُهُمَا قَطْعًا وَأَنَّهُ يَصِحُّ إسْلَامُ الْمُكَلَّفِ بِالنُّطْقِ لِلنَّاطِقِ، وَالْإِشَارَةِ لِلْعَاجِزِ عَنْ النُّطْقِ قَطْعًا، وَكَالْمُكَلَّفِ الْمُتَعَدِّي بِسُكْرِهِ، وَفِي أَطْفَالِ الْكُفَّارِ إذَا مَاتُوا وَلَمْ يَتَلَفَّظُوا بِالْإِسْلَامِ خِلَافٌ مُنْتَشِرٌ، وَالْأَصَحُّ أَنَّهُمْ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ؛ لِأَنَّ كُلَّ مَوْلُودٍ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ، فَحُكْمُهُمْ حُكْمُ الْكُفَّارِ فِي الدُّنْيَا، فَلَا يُصَلَّى عَلَيْهِمْ، وَلَا يُدْفَنُونَ فِي مَقَابِرِ الْمُسْلِمِينَ، وَحُكْمُهُمْ حُكْمُ الْمُسْلِمِينَ فِي الْآخِرَةِ لِمَا مَرَّ.
المتن: إذَا لَمْ يُقِرَّ اللَّقِيطُ بِرِقٍّ فَهُوَ حُرٌّ إلَّا أَنْ يُقِيمَ أَحَدٌ بَيِّنَةً بِرِقِّهِ.
الشَّرْحُ: (فَصْلٌ): فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِرِقِّ اللَّقِيطِ وَحُرِّيَّتِهِ وَاسْتِلْحَاقِهِ (إذَا لَمْ يُقِرَّ اللَّقِيطُ بِرِقٍّ فَهُوَ حُرٌّ)؛ لِأَنَّ الْغَالِبَ فِي النَّاسِ الْحُرِّيَّةُ، وَحَكَى ابْنُ الْمُنْذِرِ فِيهِ الْإِجْمَاعَ، لَكِنْ قَالَ الشَّافِعِيُّ لَوْ قَذَفَهُ قَاذِفٌ لَمْ أَحُدَّهُ حَتَّى أَسْأَلَهُ، فَإِنْ قَالَ أَنَا حُرٌّ حَدَدْتُ قَاذِفَهُ. وَقَالَ الْبُلْقِينِيُّ: لَوْ وُجِدَ فِي دَارِ الْحَرْبِ وَلَا مُسْلِمٌ فِيهِ وَلَا ذِمِّيَّ فَهُوَ رَقِيقٌ كَسَائِرِ صِبْيَانِهِمْ وَنِسَائِهِمْ، وَيُحْمَلُ كَلَامُهُمْ عَلَى دَارِ الْإِسْلَامِ. قَالَ: وَلَمْ أَرَ مَنْ تَعَرَّضَ لَهُ انْتَهَى، وَهُوَ ظَاهِرُ الْمَعْنَى، وَعَلَى هَذَا فَتُسْتَثْنَى هَاتَانِ الصُّورَتَانِ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ مُضَافَتَيْنِ إلَى قَوْلِهِ (إلَّا أَنْ يُقِيمَ أَحَدٌ بَيِّنَةً بِرِقِّهِ) وَتَتَعَرَّضَ لِسَبَبِ الْمِلْكِ كَمَا سَيَأْتِي فَيُعْمَلَ بِهَا.
المتن: وَإِنْ أَقَرَّ بِهِ لِشَخْصٍ فَصَدَّقَهُ قُبِلَ إنْ لَمْ يَسْبِقْ إقْرَارٌ بِحُرِّيَّةٍ، وَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ أَنْ لَا يَسْبِقَ تَصَرُّفٌ يَقْتَضِي نُفُوذُهُ حُرِّيَّةً كَبَيْعٍ وَنِكَاحٍ بَلْ يُقْبَلُ إقْرَارُهُ فِي أَصْلِ الرِّقِّ وَأَحْكَامِهِ الْمُسْتَقْبَلَةِ لَا الْمَاضِيَةِ الْمُضِرَّةِ بِغَيْرِهِ فِي الْأَظْهَرِ.
الشَّرْحُ: (وَإِنْ أَقَرَّ) اللَّقِيطُ الْمُكَلَّفُ (بِهِ) أَيْ الرِّقِّ (لِشَخْصٍ فَصَدَّقَهُ قُبِلَ إنْ لَمْ يَسْبِقْ) مِنْهُ (إقْرَارٌ بِحُرِّيَّةٍ) كَسَائِرِ الْأَقَارِيرِ، وَخَرَجَ بِصِدْقِهِ مَا لَوْ كَذَّبَهُ فَإِنَّ الرِّقَّ لَا يَثْبُتُ وَلَوْ صَدَّقَهُ بَعْدَ ذَلِكَ، وَبِلَمْ يَسْبِقْ مَا لَوْ سَبَقَ إقْرَارُهُ بِحُرِّيَّةٍ بَعْدَ الْبُلُوغِ فَلَا يُقْبَلُ إقْرَارُهُ بَعْدَهُ عَلَى الْأَصَحِّ الْمَنْصُوصِ؛ لِأَنَّهُ بِالْإِقْرَارِ الْأَوَّلِ الْتَزَمَ أَحْكَامَ الْأَحْرَارِ فَلَا يَمْلِكُ إسْقَاطَهَا. فَإِنْ قِيلَ: لَوْ أَنْكَرَتْ الْمَرْأَةُ الرَّجْعَةَ ثُمَّ أَقَرَّتْ بِهَا فَإِنَّهَا تُقْبَلُ، فَهَلَّا كَانَ هُنَا كَذَلِكَ؟.. أُجِيبَ بِأَنَّ دَعْوَاهَا الرَّجْعَةَ مُسْتَنِدَةٌ إلَى أَصْلٍ وَهُوَ عَدَمُ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ وَجَعَلَ الشَّارِعُ الْقَوْلَ قَوْلَهَا فِي انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ إثْبَاتًا وَقَدْ اعْتَرَفَتْ بِالْخِيَانَةِ، وَإِقْرَارُ اللَّقِيطِ مُخَالِفٌ لِلْأَصْلِ وَهُوَ الْحُرِّيَّةُ وَقَدْ تَأَكَّدَ بِالْإِقْرَارِ بِالْحُرِّيَّةِ. فَإِنْ قِيلَ يَرِدُ عَلَى الْمُصَنِّفِ مَا لَوْ أَقَرَّ بِالرِّقِّ لِزَيْدٍ فَكَذَّبَهُ فَأَقَرَّ بِهِ لِعَمْرٍو فَإِنَّهُ لَا يُقْبَلُ إقْرَارُهُ وَلَوْ صَدَّقَهُ عَمْرٌو، وَهَذَا لَمْ يَسْبِقْ مِنْهُ إقْرَارٌ بِحُرِّيَّةٍ. أُجِيبَ بِأَنَّ إقْرَارَهُ الْأَوَّلَ يَتَضَمَّنُ نَفْيَ الْمِلْكِ لِغَيْرِهِ، فَإِذَا كَذَّبَهُ الْمُقَرُّ لَهُ خَرَجَ عَنْ كَوْنِهِ مَمْلُوكًا لَهُ أَيْضًا فَصَارَ حُرَّ الْأَصْلِ وَالْحُرِّيَّةُ مَظِنَّةُ حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى وَالْعِبَادِ فَلَا سَبِيلَ إلَى إبْطَالِهَا بِالْإِقْرَارِ الثَّانِي.
تَنْبِيهٌ: سَكَتُوا عَنْ اعْتِبَارِ الرُّشْدِ هُنَا فِي الْمُقِرِّ، وَيَنْبَغِي كَمَا قَالَ الزَّرْكَشِيُّ اعْتِبَارُهُ كَغَيْرِهِ مِنْ الْأَقَارِيرِ، فَلَا يُقْبَلُ اعْتِرَافُ الْجَوَارِي بِالرِّقِّ كَمَا حُكِيَ عَنْ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ؛ لِأَنَّ الْغَالِبَ عَلَيْهِنَّ السَّفَهُ وَعَدَمُ الْمَعْرِفَةِ. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَهَذِهِ الْعِلَّةُ مَوْجُودَةٌ فِي غَالِبِ الْعَبِيدِ، لَا سِيَّمَا مَنْ قَرُبَ عَهْدُهُ بِالْبُلُوغِ (وَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ) فِي صِحَّةِ الْإِقْرَارِ بِالرِّقِّ (أَنْ لَا يَسْبِقَ) مِنْهُ (تَصَرُّفٌ يَقْتَضِي نُفُوذُهُ) بِمُعْجَمَةٍ بِخَطِّهِ (حُرِّيَّةً كَبَيْعٍ وَنِكَاحٍ) وَغَيْرِهِمَا، (بَلْ) بَعْدَ التَّصَرُّفِ بِشَيْءٍ مِنْ الْمَذْكُورَاتِ (يُقْبَلُ إقْرَارُهُ فِي أَصْلِ الرِّقِّ وَ) فِي (أَحْكَامِهِ الْمُسْتَقْبَلَةِ) مُطْلَقًا فِيمَا لَهُ وَعَلَيْهِ. أَمَّا فِيمَا لَهُ فَقِيَاسًا عَلَى إقْرَارِ الْمَرْأَةِ بِالنِّكَاحِ فَإِنَّهُ يَصِحُّ عَلَى الْجَدِيدِ وَإِنْ تَضَمَّنَ ثُبُوتَ حَقٍّ لَهَا. وَأَمَّا فِيمَا عَلَيْهِ فَلِأَنَّهُ أَقَرَّ بِحَقٍّ عَلَيْهِ فَيُؤَاخَذُ بِهِ كَسَائِرِ الْأَقَارِيرِ، وَفِي قَوْلٍ مِنْ الطَّرِيقِ الثَّانِي لَا يُقْبَلُ فَتَبْقَى أَحْكَامُ الْحُرِّيَّةِ (لَا) الْأَحْكَامُ (الْمَاضِيَةُ الْمُضِرَّةُ بِغَيْرِهِ)؛ فَلَا يُقْبَلُ إقْرَارُهُ بِالنِّسْبَةِ إلَيْهَا (فِي الْأَظْهَرِ) كَمَا لَا يُقْبَلُ إقْرَارُهُ عَلَى الْغَيْرِ بِدَيْنٍ وَنَحْوِهِ. وَالثَّانِي يُقْبَلُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَجَزَّأُ وَيَصِيرُ كَقِيَامِ الْبَيِّنَةِ.
المتن: فَلَوْ لَزِمَهُ دَيْنٌ فَأَقَرَّ بِرِقٍّ وَفِي يَدِهِ مَالٌ قُضِيَ مِنْهُ.
الشَّرْحُ: وَفَرَّعَ الْمُصَنِّفُ عَلَى الْأَظْهَرِ قَوْلَهُ (فَلَوْ لَزِمَهُ) أَيْ اللَّقِيطَ (دَيْنٌ فَأَقَرَّ بِرِقٍّ) أَوْ ادَّعَى شَخْصٌ رِقَّهُ (وَفِي يَدِهِ مَالٌ قُضِيَ) الدَّيْنُ (مِنْهُ) وَلَا يُجْعَلُ لِلْمُقَرِّ لَهُ إلَّا مَا فَضَلَ عَنْ الدَّيْنِ، فَإِنْ بَقِيَ مِنْ الدَّيْنِ شَيْءٌ اُتُّبِعَ بِهِ بَعْدَ عِتْقِهِ وَلَا يُقْضَى مِنْهُ عَلَى الثَّانِي، بَلْ الْمَالُ لِلْمُقَرِّ لَهُ وَيَبْقَى الدَّيْنُ فِي ذِمَّةِ الْمُقِرِّ. أَمَّا الْأَحْكَامُ الْمَاضِيَةُ الْمُضِرَّةُ بِهِ فَيُقْبَلُ إقْرَارُهُ بِالنِّسْبَةِ إلَيْهَا جَزْمًا.
تَنْبِيهٌ: لَوْ نَكَحَ ثُمَّ أَقَرَّ بِالرِّقِّ فَإِنْ كَانَ أُنْثَى لَمْ يَنْفَسِخْ النِّكَاحُ بَلْ يَسْتَمِرُّ وَيَصِيرُ كَالْمُسْتَوْفَى الْمَقْبُوضِ؛ لِأَنَّ انْفِسَاخَهُ يَضُرُّ الزَّوْجَ فِيمَا مَضَى سَوَاءٌ أَكَانَ الزَّوْجُ مِمَّنْ يَحِلُّ لَهُ نِكَاحُ الْأَمَةِ أَمْ لَا كَالْحُرِّ إذَا وَجَدَ الطَّوْلَ بَعْدَ نِكَاحِ الْأَمَةِ، لَكِنْ لِلزَّوْجِ الْخِيَارُ فِي فَسْخِ النِّكَاحِ إنْ شُرِطَتْ الْحُرِّيَّةُ فِيهِ لِفَوَاتِ الشَّرْطِ، فَإِنْ فَسَخَ بَعْدَ الدُّخُولِ بِهَا لَزِمَهُ لِلْمُقَرِّ لَهُ الْأَقَلُّ مِنْ الْمُسَمَّى وَمَهْرِ الْمِثْلِ؛ لِأَنَّ الزَّائِدَ مِنْهُمَا يَضُرُّ الزَّوْجَ، وَإِنْ أَجَازَ لَزِمَهُ الْمُسَمَّى؛ لِأَنَّهُ الَّذِي لَزِمَهُ بِزَعَمِهِ وَإِنْ كَانَ قَدْ سَلَّمَهُ إلَيْهَا أَجْزَأَهُ، فَلَوْ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ سَقَطَ الْمُسَمَّى؛ لِأَنَّ الْمُقَرَّ لَهُ يَزْعُمُ فَسَادَ النِّكَاحِ وَتُسَلَّمُ إلَى الزَّوْجِ تَسْلِيمَ الْحَرَائِرِ، وَيُسَافِرُ بِهَا زَوْجُهَا بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهَا، وَأَوْلَادُهَا قَبْلَ إقْرَارِهَا بِالرِّقِّ أَحْرَارٌ لِظَنِّهِ حُرِّيَّتَهَا وَلَا يَلْزَمُ قِيمَتُهُمْ؛ لِأَنَّ قَوْلَهَا غَيْرُ مَقْبُولٍ فِي إلْزَامِهِ، وَبَعْدَهُ أَرِقَّاءُ؛ لِأَنَّهُ وَطِئَهَا عَالِمًا بِرِقِّهَا، وَيُلْغَزُ بِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فَيُقَالُ لَنَا: حُرٌّ تَزَوَّجَ حُرَّةً فَأَوْلَدَهَا حُرًّا ثُمَّ رَقِيقًا فِي عَقْدٍ وَاحِدٍ، وَإِذَا طَلُقَتْ تَعْتَدُّ بِثَلَاثَةِ أَقْرَاءٍ؛ لِأَنَّ عِدَّةَ الطَّلَاقِ حَقُّ الزَّوْجِ، وَلَهُ الرَّجْعَةُ فِيهَا فِي الطَّلَاقِ الرَّجْعِيِّ، وَتَعْتَدُّ لِلْوَفَاةِ كَالْأَمَةِ لِعَدَمِ تَضَرُّرِ الزَّوْجِ بِنُقْصَانِ الْعِدَّةِ، وَإِنْ كَانَ الْمُقِرُّ بِالرِّقِّ ذَكَرًا انْفَسَخَ نِكَاحُهُ، إذْ لَا ضَرَرَ عَلَى الزَّوْجَةِ وَلَزِمَهُ الْمُسَمَّى إنْ دَخَلَ بِهَا، وَنِصْفُهُ إنْ لَمْ يَدْخُلْ بِهَا؛ لِأَنَّ سُقُوطَ ذَلِكَ يَضُرُّهَا، وَحِينَئِذٍ يُؤَدِّيهِ مِمَّا فِي يَدِهِ أَوْ مِنْ كَسْبِهِ فِي الْحَالِ وَالِاسْتِقْبَالِ، وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ بَقِيَ فِي ذِمَّتِهِ إلَى أَنْ يَعْتِقَ، وَلَوْ جَنَى عَلَى غَيْرِهِ عَمْدًا ثُمَّ أَقَرَّ بِالرِّقِّ اُقْتُصَّ مِنْهُ حُرًّا كَانَ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ أَوْ رَقِيقًا، وَإِنْ جَنَى خَطَأً أَوْ شِبْهَ عَمْدٍ قَضَى الْأَرْشَ مِمَّا بِيَدِهِ. فَإِنْ قِيلَ الْأَرْشُ لَا يَتَعَلَّقُ بِمَا فِي يَدِ الْجَانِي حُرًّا كَانَ أَوْ رَقِيقًا. أُجِيبَ بِأَنَّ الرِّقَّ لَمَّا أَوْجَبَ الْحَجْرَ عَلَيْهِ اقْتَضَى التَّعَلُّقَ بِمَا فِي يَدِهِ كَالْحُرِّ إذَا حُجِرَ عَلَيْهِ بِالْفَلَسِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ شَيْءٌ تَعَلَّقَ الْأَرْشُ بِرَقَبَتِهِ، وَإِنْ أَقَرَّ بِالرِّقِّ بَعْدَمَا قُطِعَتْ يَدُهُ مَثَلًا عَمْدًا اُقْتُصَّ مِنْ الرَّقِيقِ دُونَ الْحُرِّ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ مَقْبُولٌ فِيمَا يَضُرُّهُ أَوْ بَعْدَمَا قُطِعَتْ خَطَأً وَجَبَ الْأَقَلُّ مِنْ نِصْفَيْ الْقِيمَةِ وَالدِّيَةِ لِأَنَّ قَبُولَ قَوْلِهِ فِي الزَّائِدِ يَضُرُّ بِالْجَانِي.
المتن: وَلَوْ ادَّعَى رِقَّهُ مَنْ لَيْسَ فِي يَدِهِ بِلَا بَيِّنَةٍ لَمْ يُقْبَلْ، وَكَذَا إنْ ادَّعَاهُ الْمُلْتَقِطُ فِي الْأَظْهَرِ.
الشَّرْحُ: (وَلَوْ ادَّعَى رِقَّهُ مَنْ لَيْسَ فِي يَدِهِ بِلَا بَيِّنَةٍ لَمْ يُقْبَلْ) جَزْمًا إذْ الظَّاهِرُ الْحُرِّيَّةُ، فَلَا تُتْرَكُ إلَّا بِحُجَّةٍ بِخِلَافِ النَّسَبِ فَإِنَّ فِي قَبُولِهِ مَصْلَحَةً لِلصَّبِيِّ وَثُبُوتَ حَقٍّ لَهُ، (وَكَذَا إنْ ادَّعَاهُ الْمُلْتَقِطُ) بِلَا بَيِّنَةٍ وَأَسْنَدَهُ إلَى الِالْتِقَاطِ لَمْ يُقْبَلْ أَيْضًا (فِي الْأَظْهَرِ)؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ الْحُرِّيَّةُ، فَلَا تُزَالُ بِمُجَرَّدِ الدَّعْوَى. وَالثَّانِي يُقْبَلُ وَيُحْكَمُ لَهُ بِالرِّقِّ كَمَا فِي يَدِ غَيْرِ الْمُلْتَقِطِ وَسَيَأْتِي، وَفَرَّقَ الْأَوَّلُ بِأَنَّ اللَّقِيطَ مَحْكُومٌ بِحُرِّيَّتِهِ ظَاهِرًا بِخِلَافِ غَيْرِهِ، وَلَوْ اُدُّعِيَ عَلَى اللَّقِيطِ الرِّقُّ، فَأَنْكَرَ كَوْنَهُ لَهُ ثُمَّ أَقَرَّ لَهُ بِالرِّقِّ قُبِلَ، فَإِنْ أَنْكَرَ كَانَ لِلْمُدَّعِي تَحْلِيفُهُ، فَإِنْ كَانَ أَنْكَرَ أَصْلَ الرِّقِّ ثُمَّ أَقَرَّ لَهُ لَمْ يُقْبَلْ وَلَمْ يُحَلَّفْ؛ لِأَنَّ التَّحْلِيفَ لِطَلَبِ الْإِقْرَارِ وَإِقْرَارُهُ غَيْرُ مَقْبُولٍ، وَلَوْ قَذَفَ شَخْصٌ لَقِيطًا كَبِيرًا أَوْ جَنَى عَلَيْهِ وَلَوْ صَغِيرًا جِنَايَةً تُوجِبُ قِصَاصًا وَادَّعَى أَنَّهُ رَقِيقٌ فَأَنْكَرَ فَالْقَوْلُ قَوْلُ اللَّقِيطِ بِيَمِينِهِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ الْحُرِّيَّةُ فَيَجِبُ الْحَدُّ عَلَى الْقَاذِفِ فِي الْأُولَى وَالْقِصَاصُ عَلَى الْجَانِي فِي الثَّانِيَةِ، وَمَتَى كَانَ اللَّقِيطُ قَاذِفًا وَادَّعَى الرِّقَّ حُدَّ حَدَّ الْأَحْرَارِ، إذْ لَا يُقْبَلُ إقْرَارُهُ فِيمَا يَضُرُّ بِغَيْرِهِ فِي الْمَاضِي.
المتن: وَلَوْ رَأَيْنَا صَغِيرًا مُمَيِّزًا أَوْ غَيْرَهُ فِي يَدِ مَنْ يَسْتَرِقُّهُ وَلَمْ يُعْرَفْ اسْتِنَادُهَا إلَى الِالْتِقَاطِ حُكِمَ لَهُ بِالرِّقِّ، فَإِنْ بَلَغَ وَقَالَ: أَنَا حُرٌّ لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ فِي الْأَصَحِّ إلَّا بِبَيِّنَةٍ.
الشَّرْحُ: (وَلَوْ رَأَيْنَا صَغِيرًا مُمَيِّزًا أَوْ غَيْرَهُ فِي يَدِ مَنْ يَسْتَرِقُّهُ) بِادِّعَائِهِ رِقَّهُ (وَلَمْ يُعْرَفْ اسْتِنَادُهَا إلَى الِالْتِقَاطِ) وَلَا غَيْرِهِ (حُكِمَ لَهُ بِالرِّقِّ) بِدَعْوَاهُ عَلَى الصَّحِيحِ فِي الرَّوْضَةِ عَمَلًا بِالْيَدِ وَالتَّصَرُّفِ بِلَا مُعَارِضٍ، وَيَحْلِفُ وُجُوبًا عَلَى الْأَصَحِّ الْمَنْصُوصِ، وَقِيلَ نَدْبًا، وَقِيلَ لَا يُحْكَمُ بِالرِّقِّ كَاللَّقِيطِ، فَعَلَى الْأَوَّلِ لَا يُؤَثِّرُ تَكْذِيبُ الْمُمَيِّزِ.
تَنْبِيهٌ: أَفْهَمَ قَوْلُهُ وَلَمْ يُعْرَفْ إلَخْ أَنَّ الْمُلْتَقِطَ لَوْ أَقَامَ بَيِّنَةً عَلَى أَنَّهُ كَانَ فِي يَدِهِ قَبْلَ الْتِقَاطِهِ حُكِمَ لَهُ بِهِ، وَهُوَ مَا فِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا عَنْ الْبَغَوِيِّ، ثُمَّ قَالَا لَكِنْ رَوَى ابْنُ كَجٍّ عَنْ النَّصِّ أَنَّهُ لَا يُرَقُّ حَتَّى يُقِيمَ الْبَيِّنَةَ عَلَى سَبَبِ الْمِلْكِ ا هـ. وَهَذَا أَظْهَرُ (فَإِنْ بَلَغَ) اللَّقِيطُ بَعْدَ الْحُكْمِ بِرِقِّهِ (وَقَالَ أَنَا حُرُّ الْأَصْلِ لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ فِي الْأَصَحِّ إلَّا بِبَيِّنَةٍ) بِالْحُرِّيَّةِ؛ لِأَنَّا قَدْ حَكَمْنَا بِرِقِّهِ فِي صِغَرِهِ فَلَا نُزِيلُهُ إلَّا بِحُجَّةٍ، وَلَهُ تَحْلِيفُ السَّيِّدِ، كَمَا نَقَلَاهُ عَنْ الْبَغَوِيِّ وَأَقَرَّاهُ. وَالثَّانِي يُقْبَلُ قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُ الْآنَ مِنْ أَهْلِ الْقَوْلِ إلَّا أَنْ يُقِيمَ الْمُدَّعِي بَيِّنَةً بِرِقِّهِ، وَلَا فَرْقَ فِي جَرَيَانِ الْخِلَافِ بَيْنَ أَنْ يَدَّعِيَ فِي الصِّغَرِ مِلْكَهُ وَيَسْتَخْدِمَهُ ثُمَّ يَبْلُغَ وَيُنْكِرَ وَبَيْنَ أَنْ يَتَجَرَّدَ الِاسْتِخْدَامُ إلَى الْبُلُوغِ ثُمَّ يَدَّعِيَ مِلْكَهُ وَيُنْكِرَ الْمُسْتَخْدَمُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الرَّافِعِيُّ فِي الدَّعَاوَى، وَلَوْ أَقَرَّ بِالرِّقِّ لِغَيْرِ سَيِّدِهِ لَمْ يُقْبَلْ، وَالْمَجْنُونُ الْبَالِغُ كَالصَّبِيِّ فِيمَا ذُكِرَ، وَإِفَاقَتُهُ كَبُلُوغِهِ. فَرْعٌ: لَوْ رَأَيْنَا صَغِيرَةً فِي يَدِ رَجُلٍ يَدَّعِي نِكَاحَهَا وَبَلَغَتْ وَأَنْكَرَتْ قُبِلَ قَوْلُهَا وَعَلَى الْمُدَّعِي الْبَيِّنَةُ، وَهَلْ يُحْكَمُ فِي صِغَرِهَا بِالنِّكَاحِ. قَالَ ابْنُ الْحَدَّادِ نَعَمْ كَالرِّقِّ، وَالْأَصَحُّ الْمَنْعُ، وَفَرَّقَ الْأَصْحَابُ بِأَنَّ الْيَدَ فِي الْجُمْلَةِ دَلِيلٌ عَلَى الْمِلْكِ، وَيَجُوزُ أَنْ يُولَدَ الْمَمْلُوكُ مَمْلُوكًا وَالنِّكَاحُ طَارِئٌ بِكُلِّ حَالٍ فَيَحْتَاجُ إلَى الْبَيِّنَةِ.
المتن: وَمَنْ أَقَامَ بَيِّنَةً بِرِقِّهِ عُمِلَ بِهَا، وَيُشْتَرَطُ أَنْ تَتَعَرَّضَ الْبَيِّنَةُ لِسَبَبِ الْمِلْكِ، وَفِي قَوْلٍ يَكْفِي مُطْلَقُ الْمِلْكِ.
الشَّرْحُ: (وَمَنْ أَقَامَ) مِنْ مُلْتَقِطٍ وَغَيْرِهِ (بَيِّنَةً بِرِقِّهِ عُمِلَ بِهَا) لِظُهُورِ فَائِدَتِهَا. سَوَاءٌ أَقَامَهَا مَنْ هُوَ تَحْتَ يَدِهِ أَمْ غَيْرُهُ (وَيُشْتَرَطُ أَنْ تَتَعَرَّضَ الْبَيِّنَةُ لِسَبَبِ الْمِلْكِ) كَإِرْثٍ وَشِرَاءٍ؛ لِئَلَّا تُعْتَمَدَ ظَاهِرُ الْيَدِ وَتَكُونَ عَنْ الْتِقَاطٍ (وَفِي قَوْلٍ يَكْفِي مُطْلَقُ الْمِلْكِ) كَسَائِرِ الْأَمْوَالِ، وَفَرَّقَ الْأَوَّلُ بِأَنَّ أَمْرَ الرِّقِّ خَطِيرٌ فَاحْتِيطَ فِيهِ.
تَنْبِيهٌ: قَضِيَّةُ إطْلَاقِ الْمُصَنِّفِ جَرَيَانَ الْخِلَافِ فِي الْمُلْتَقِطِ وَغَيْرِهِ، وَهِيَ طَرِيقَةُ الْجُمْهُورِ كَمَا قَالَهُ فِي الْكِفَايَةِ، وَيَكْفِي فِي الْبَيِّنَةِ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ، إذْ الْغَرَضُ إثْبَاتُ الْمِلْكِ، وَمِنْ التَّعَرُّضِ إلَى سَبَبِ الْمِلْكِ أَنْ تَشْهَدَ الْبَيِّنَةُ بِأَنَّ أَمَتَهُ وَلَدَتْهُ وَإِنْ لَمْ تَقُلْ فِي مِلْكِهِ؛ لِأَنَّ الْغَرَضَ الْعِلْمُ بِأَنَّ شَهَادَتَهَا لَمْ تَسْتَنِدْ إلَى ظَاهِرِ الْيَدِ، وَقَدْ حَصَلَ، وَلِأَنَّ الْغَالِبَ أَنَّ وَلَدَ أَمَتِهِ مِلْكُهُ، وَقِيلَ لَا يُقْبَلُ حَتَّى تَشْهَدَ أَنَّ أَمَتَهُ وَلَدَتْهُ فِي مِلْكِهِ؛ لِأَنَّ مَنْ اشْتَرَى جَارِيَةً وَقَدْ وَلَدَتْ أَوْلَادًا صَدَقَ عَلَيْهِ أَنَّ أَمَتَهُ وَلَدَتْهُمْ وَلَيْسُوا مِلْكًا لَهُ، فَإِذَا قَالَ هَذَا انْتَفَى هَذَا الِاحْتِمَالُ، وَهَذَا مَا صَحَّحَهُ الْمُصَنِّفُ فِي تَصْحِيحِهِ عَلَى وَفْقِ مَا يَأْتِي فِي الدَّعَاوَى، وَالْأَصَحُّ الْأَوَّلُ كَمَا فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ، وَجَرَى عَلَيْهِ ابْنُ الْمُقْرِي، وَفَرَّقَ ابْنُ الرِّفْعَةِ بَيْنَ مَا هُنَا وَبَيْنَ مَا فِي الدَّعَاوَى بِأَنَّ مَا هُنَا فِي اللَّقِيطِ أَيْ أَوْ نَحْوِهِ، وَالْمَقْصُودُ فِيهِ مَعْرِفَةُ الرِّقِّ مِنْ الْحُرِّيَّةِ، وَالْقَصْدُ فِي الدَّعَاوَى تَعْيِينُ الْمَالِكِ؛ لِأَنَّ الرِّقَّ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَذَلِكَ لَا يَحْصُلُ بِكَوْنِ أَمَتِهِ وَلَدَتْهُ، وَفَرَّقَ ابْنُ الْعِمَادِ بِأَنَّ الْيَدَ نَصٌّ فِي الدَّلَالَةِ عَلَى الْمِلْكِ فَاشْتُرِطَ فِي زَوَالِهَا ذِكْرُ ذَلِكَ بِخِلَافِ الْحُكْمِ بِحُرِّيَّةِ الْوَلَدِ فَإِنَّهُ ظَاهِرٌ وَالرِّقُّ مُحْتَمَلٌ؛ وَلِهَذَا اُخْتُلِفَ فِي وُجُوبِ الْقَوَدِ عَلَى قَاتِلِهِ لِاحْتِمَالِ الرِّقِّ، وَإِذَا اُكْتُفِيَ بِالشَّهَادَةِ الْمَذْكُورَةِ فَتَكْفِي شَهَادَةُ أَرْبَعِ نِسْوَةٍ أَنَّهُ وَلَدَتْهُ أَمَتُهُ؛ لِأَنَّهَا شَهَادَةٌ بِالْوِلَادَةِ، وَيَثْبُتُ الْمِلْكُ ضِمْنًا شَهِدَتْ بِهِ أَيْضًا أَمْ لَا لِثُبُوتِ النَّسَبِ فِي ضِمْنِ الشَّهَادَةِ بِالْوِلَادَةِ.
المتن: وَلَوْ اسْتَلْحَقَ اللَّقِيطَ حُرٌّ مُسْلِمٌ لَحِقَهُ وَصَارَ أَوْلَى بِتَرْبِيَتِهِ، وَإِنْ اسْتَلْحَقَهُ عَبْدٌ لَحِقَهُ، وَفِي قَوْلٍ يُشْتَرَطُ تَصْدِيقُ سَيِّدِهِ، وَإِنْ اسْتَلْحَقَتْهُ امْرَأَةٌ لَمْ يَلْحَقْهَا فِي الْأَصَحِّ.
الشَّرْحُ: (وَلَوْ اسْتَلْحَقَ اللَّقِيطَ) الْمَحْكُومَ بِإِسْلَامِهِ (حُرٌّ) ذَكَرٌ (مُسْلِمٌ لَحِقَهُ) بِالشُّرُوطِ السَّابِقَةِ فِي الْإِقْرَارِ؛ لِأَنَّهُ أَقَرَّ لَهُ بِحَقٍّ لَا ضَرَرَ فِيهِ عَلَى غَيْرِهِ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ أَقَرَّ لَهُ بِمَالٍ، وَسَوَاءٌ فِيهِ الْمُلْتَقِطُ وَغَيْرُهُ الرَّشِيدُ وَالسَّفِيهُ، وَيُسَنُّ لِلْقَاضِي أَنْ يَقُولَ لِلْمُلْتَقِطِ مِنْ أَيْنَ هُوَ وَلَدُكَ؛ مِنْ أَمَتِكَ أَوْ زَوْجَتِكَ أَوْ شُبْهَةٍ؟ فَإِنَّهُ قَدْ يَتَوَهَّمُ أَنَّ الِالْتِقَاطَ يُفِيدُ النَّسَبَ بَلْ يَنْبَغِي كَمَا قَالَ الزَّرْكَشِيُّ وُجُوبُهُ إذَا كَانَ الْمُسْتَلْحِقُ مِمَّنْ يَجْهَلُ ذَلِكَ احْتِيَاطًا لِلنَّسَبِ.
تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ مُسْلِمٌ لَا مَفْهُومَ لَهُ، فَإِنَّ الْكَلَامَ فِي لَقِيطٍ مَحْكُومٍ بِإِسْلَامِهِ، وَقَدْ مَرَّ أَنَّهُ يَصِحُّ لِلْكَافِرِ حِينَئِذٍ اسْتِلْحَاقُهُ لَكِنْ لَا يَتْبَعُهُ فِي الْكُفْرِ. قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَلَوْ كَانَ لِلْمُسْتَلْحِقِ امْرَأَةٌ فَأَنْكَرَتْ أَنَّهُ ابْنُهَا لَمْ يَلْحَقْهَا (وَ) إذَا لَحِقَهُ (صَارَ أَوْلَى) أَيْ أَحَقَّ (بِتَرْبِيَتِهِ) مِنْ غَيْرِهِ بِمَعْنَى أَنَّهُ مُسْتَحِقٌّ لَهَا دُونَ غَيْرِهِ، كَقَوْلِهِمْ فُلَانٌ أَحَقُّ بِمَالِهِ: يَعْنِي أَنَّهُ لَا حَقَّ لِغَيْرِهِ فِيهِ، وَقَوْلُهُ: حُرٌّ لَا مَفْهُومَ لَهُ أَيْضًا كَمَا يُشِيرُ إلَيْهِ قَوْلُهُ (وَإِنْ اسْتَلْحَقَهُ) أَيْ اللَّقِيطَ (عَبْدٌ لَحِقَهُ) لِأَنَّهُ فِي النَّسَبِ كَالْحُرِّ لِإِمْكَانِ حُصُولِهِ مِنْهُ بِنِكَاحٍ أَوْ وَطْءِ شُبْهَةٍ، وَإِنَّمَا فَصَلَهُ الْمُصَنِّفُ عَنْ الْحُرِّ لِأَجْلِ قَوْلِهِ (وَفِي قَوْلٍ يُشْتَرَطُ) فِي لُحُوقِهِ بِهِ (تَصْدِيقُ سَيِّدِهِ) فِيهِ لِمَا فِيهِ مِنْ قَطْعِ الْإِرْثِ الْمُتَوَهَّمِ عَلَى تَقْدِيرِ عِتْقِهِ. وَأَجَابَ الْأَوَّلُ بِأَنَّهُ لَا عِبْرَةَ بِهَذَا؛ لِأَنَّ مَنْ اسْتَلْحَقَ ابْنًا وَكَانَ لَهُ أَخٌ يُقْبَلُ اسْتِلْحَاقُهُ، وَإِذَا لَحِقَهُ بِتَصْدِيقٍ أَوْ بِغَيْرِهِ لَا يُسَلَّمُ إلَيْهِ لِعَجْزِهِ عَنْ نَفَقَتِهِ، إذْ لَا مَالَ لَهُ، وَعَنْ حَضَانَتِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَفَرَّغُ لَهَا فَيُقَرُّ فِي يَدِ الْمُلْتَقِطِ وَيُنْفَقُ عَلَيْهِ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ، وَلَوْ أَقَرَّ عَبْدٌ بِأَخٍ أَوْ عَمٍّ لَمْ يَلْحَقْهُ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ فِي الْإِقْرَارِ خِلَافًا لِمَا جَرَى عَلَيْهِ ابْنُ الْمُقْرِي تَبَعًا لِظَاهِرِ كَلَامِ أَصْلِهِ؛ لِأَنَّهُ يَلْحَقُ النَّسَبُ بِغَيْرِهِ، وَشَرْطُهُ أَنْ يَصْدُرَ مِنْ وَارِثٍ حَائِزٍ. قَالَ الْبُلْقِينِيُّ وَلَعَلَّهُ يُتَصَوَّرُ فِيمَا إذَا كَانَ حَالَ مَوْتِ الْحُرِّ حُرًّا ثُمَّ اُسْتُرِقَّ لِكُفْرِهِ وَحِرَابَتِهِ، فَإِذَا أَقَرَّ بِهِ لَحِقَ الْمَيِّتَ ا هـ. وَهَذَا بَعِيدٌ لَا يُنْظَرُ إلَيْهِ إلَّا إنْ ثَبَتَ. وَلَوْ اسْتَلْحَقَ حُرٌّ عَبْدَ غَيْرِهِ وَهُوَ بَالِغٌ عَاقِلٌ فَصَدَّقَهُ لَحِقَهُ، وَلَا عِبْرَةَ بِمَا فِيهِ مِنْ قَطْعِ الْإِرْثِ الْمُتَوَهَّمِ بِالْوَلَاءِ، وَإِنْ اسْتَلْحَقَهُ وَهُوَ صَغِيرٌ أَوْ مَجْنُونٌ لَمْ يَلْحَقْهُ إلَّا بِبَيِّنَةٍ كَمَا مَرَّ فِي الْإِقْرَارِ (وَإِنْ اسْتَلْحَقَتْهُ امْرَأَةٌ) حُرَّةٌ (لَمْ يَلْحَقْهَا فِي الْأَصَحِّ) إلَّا بِبَيِّنَةٍ، وَإِنْ كَانَتْ خَلِيَّةً لِإِمْكَانِهَا إقَامَةَ الْبَيِّنَةِ بِالْوِلَادَةِ مِنْ طَرِيقِ الْمُشَاهَدَةِ بِخِلَافِ الرَّجُلِ، وَحَكَى ابْنُ الْمُنْذِرِ فِيهِ الْإِجْمَاعَ. وَالثَّانِي يَلْحَقُهَا؛ لِأَنَّهَا أَحَدُ الْأَبَوَيْنِ فَصَارَتْ كَالرَّجُلِ. وَالثَّالِثُ يَلْحَقُ الْخَلِيَّةَ دُونَ الْمُزَوَّجَةِ لِبُعْدِ الْإِلْحَاقِ بِهَا دُونَهُ، فَإِنْ أَقَامَتْ بَيِّنَةً عَلَى دَعْوَاهَا لَحِقَهَا وَكَذَا زَوْجُهَا إنْ شَهِدَتْ الْبَيِّنَةُ بِوَضْعِهِ عَلَى فِرَاشِهِ وَأَمْكَنَ الْعُلُوقُ مِنْهُ وَإِلَّا فَلَا يَلْحَقُهُ، وَلَوْ تَنَازَعَتْ امْرَأَتَانِ لَقِيطًا أَوْ مَجْهُولًا وَأَقَامَتَا بَيِّنَتَيْنِ تَعَارَضَتَا وَعُرِضَ مَعَهُمَا عَلَى الْقَائِفِ، فَلَوْ أَلْحَقَهُ بِإِحْدَاهُمَا لَحِقَهَا وَلَحِقَ زَوْجَهَا بِالشَّرْطِ الْمُتَقَدِّمِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ بَيِّنَةٌ لَمْ يُعْرَضْ عَلَى الْقَائِفِ لِمَا مَرَّ أَنَّ اسْتِلْحَاقَ الْمَرْأَةِ إنَّمَا يَصِحُّ مَعَ الْبَيِّنَةِ. وَاسْتِلْحَاقُ الْأَمَةِ يَصِحُّ بِالْبَيِّنَةِ كَالْحُرَّةِ، لَكِنْ لَا يُحْكَمُ بِرِقِّ الْوَلَدِ لِمَوْلَاهَا بِاسْتِلْحَاقِهَا لِاحْتِمَالِ انْعِقَادِهِ حُرًّا بِوَطْءِ شُبْهَةٍ، وَيَصِحُّ اسْتِلْحَاقُ الْخُنْثَى عَلَى الْأَصَحِّ عِنْدَ الْقَاضِي أَبِي الْفَرَجِ الزَّازِ، وَيَثْبُتُ النَّسَبُ بِقَوْلِهِ لِأَنَّ النَّسَبَ يُحْتَاطُ لَهُ وَلَا يُحْتَاطُ عَلَيْهِ، فَإِنْ اتَّضَحَتْ ذُكُورَتُهُ بَعْدُ اسْتَمَرَّ الْحُكْمُ أَوْ أُنُوثَتُهُ فَخِلَافُ الْمَرْأَةِ.
المتن: أَوْ اثْنَانِ لَمْ يُقَدَّمْ مُسْلِمٌ وَحُرٌّ عَلَى ذِمِّيٍّ وَعَبْدٍ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ بَيِّنَةٌ عُرِضَ عَلَى الْقَائِفِ فَيَلْحَقُ مَنْ أَلْحَقَهُ بِهِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ قَائِفٌ أَوْ تَحَيَّرَ أَوْ نَفَاهُ عَنْهُمَا أَوْ أَلْحَقَهُ بِهِمَا أُمِرَ بِالِانْتِسَابِ بَعْدَ بُلُوغِهِ إلَى مَنْ يَمِيلُ طَبْعُهُ إلَيْهِ مِنْهُمَا، وَلَوْ أَقَامَا بَيِّنَتَيْنِ مُتَعَارِضَتَيْنِ سَقَطَتَا فِي الْأَظْهَرِ.
الشَّرْحُ: (أَوْ) اسْتَلْحَقَ اللَّقِيطَ (اثْنَانِ) أَهْلَانِ لِلِالْتِقَاطِ بِأَنْ ادَّعَى كُلٌّ مِنْهُمَا نَسَبَهُ مِنْهُ (لَمْ يُقَدَّمْ) مِنْهُمَا (مُسْلِمٌ وَحُرٌّ عَلَى ذِمِّيٍّ) وَأَوْلَى مِنْهُ عَلَى كَافِرٍ (وَعَبْدٍ) بَلْ يَسْتَوِيَانِ فِي ذَلِكَ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا لَوْ انْفَرَدَ كَانَ أَهْلًا لِذَلِكَ، فَلَا بُدَّ مِنْ مُرَجِّحٍ مِمَّا سَيَأْتِي (فَإِنْ لَمْ يَكُنْ) لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا (بَيِّنَةٌ) أَوْ كَانَ لِكُلٍّ مِنْهُمَا بَيِّنَةٌ وَتَعَارَضَتَا كَمَا سَيَأْتِي (عُرِضَ) اللَّقِيطُ مَعَ الْمُدَّعِيَيْنِ (عَلَى الْقَائِفِ فَيَلْحَقُ مَنْ أَلْحَقَهُ بِهِ) لِأَنَّ فِي إلْحَاقِهِ أَثَرًا فِي الِانْتِسَابِ عِنْدَ الِاشْتِبَاهِ كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى آخِرَ الدَّعَاوَى، فَإِنْ كَانَ لِأَحَدِهِمَا بَيِّنَةٌ قُضِيَ بِهَا فَإِنَّهَا تُقَدَّمُ عَلَى إلْحَاقِ الْقَائِفِ (فَإِنْ لَمْ يَكُنْ قَائِفٌ) بِأَنْ لَمْ يُوجَدْ عَلَى دُونِ مَسَافَةِ الْقَصْرِ كَمَا ذَكَرَهُ الْمَاوَرْدِيُّ، وَحَكَاهُ الرَّافِعِيُّ فِي الْعِدَدِ عَنْ الرُّويَانِيِّ (أَوْ) كَانَ وَلَكِنْ (تَحَيَّرَ أَوْ نَفَاهُ عَنْهُمَا أَوْ أَلْحَقَهُ بِهِمَا) اُنْتُظِرَ بُلُوغُهُ وَ (أُمِرَ بِالِانْتِسَابِ بَعْدَ بُلُوغِهِ إلَى مَنْ يَمِيلُ طَبْعُهُ) الْجِبِلِّيُّ (إلَيْهِ مِنْهُمَا) فَلَا يَكْفِي فِيهِ مُجَرَّدُ التَّشَهِّي، فَمَنْ انْتَسَبَ إلَيْهِ مِنْهُمَا لَحِقَ بِهِ لِمَا رَوَى الْبَيْهَقِيُّ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ " أَنَّ رَجُلَيْنِ ادَّعَيَا رَجُلًا لَا يَدْرِي أَيُّهُمَا أَبُوهُ، فَقَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ اتْبَعْ أَيُّهُمَا شِئْتَ " وَلِأَنَّ طَبْعَ الْوَلَدِ يَمِيلُ إلَى وَالِدِهِ وَيَجِدُ بِهِ مَا لَا يَجِدُ بِغَيْرِهِ، فَلَا يَكْفِي انْتِسَابُهُ وَهُوَ صَبِيٌّ وَلَوْ مُمَيِّزًا بِخِلَافِهِ فِي الْحَضَانَةِ فَإِنَّهُ يُخَيَّرُ بَيْنَ أَبَوَيْهِ؛ لِأَنَّ اخْتِيَارَهُ فِيهَا لَا يَلْزَمُ، بَلْ لَهُ الرُّجُوعُ عَنْ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الْأَقْوَالِ الْمُلْتَزَمَةِ بِخِلَافِ مَا هُنَا فَلَا يُقْبَلُ رُجُوعُهُ عَنْ انْتِسَابِهِ إلَى أَحَدِهِمَا وَيُنْفِقَانِ عَلَيْهِ مُدَّةَ الِانْتِظَارِ وَالْقَرَارُ عَلَى مَنْ لَحِقَهُ النَّسَبُ، لَكِنْ إنَّمَا يَرْجِعُ الْآخَرُ إذَا أَنْفَقَ بِإِذْنِ الْحَاكِمِ كَمَا قَيَّدَهُ الرَّافِعِيُّ فِي الْبَابِ الثَّانِي مِنْ الْعِدَدِ.
تَنْبِيهٌ: قَوْلُ الْمُصَنِّفِ أُمِرَ يَقْتَضِي جَبْرَهُ عَلَيْهِ، وَبِهِ صَرَّحَ الصَّيْمَرِيُّ وَزَادَ غَيْرُهُ فَإِنْ امْتَنَعَ حُبِسَ، هَذَا فِيمَنْ امْتَنَعَ عِنَادًا. أَمَّا مَنْ لَمْ يَمِلْ طَبْعُهُ إلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا فَيُوقَفُ الْأَمْرُ، فَإِنْ انْتَسَبَ إلَى غَيْرِهِمَا وَصَدَّقَهُ ثَبَتَ نَسَبُهُ مِنْهُ، وَإِذَا انْتَسَبَ إلَى أَحَدِهِمَا وَأَلْحَقَهُ الْقَائِفُ بِالْآخَرِ قُدِّمَ الْقَائِفُ؛ لِأَنَّهُ حُجَّةٌ أَوْ حُكْمٌ أَوْ أَلْحَقَهُ الْقَائِفُ بِأَحَدِهِمَا وَأَقَامَ الْآخَرُ بَيِّنَةً قُدِّمَتْ؛ لِأَنَّهَا حُجَّةٌ فِي كُلِّ خُصُومَةٍ، وَلَوْ كَانَا وَلَدَيْنِ فَانْتَسَبَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِوَاحِدٍ دَامَ الْإِشْكَالُ، فَإِنْ رُفِعَ أَحَدُهُمَا إلَى الْآخَرِ قُبِلَ قَوْلُهُ بَعْدَ بُلُوغِهِ، وَقَوْلُهُ أَوْ أَلْحَقَهُ بِهِمَا مِنْ زِيَادَتِهِ مِنْ غَيْرِ تَمْيِيزٍ (وَلَوْ أَقَامَا) عَلَى نَسَبِهِ (بَيِّنَتَيْنِ مُتَعَارِضَتَيْنِ سَقَطَتَا فِي الْأَظْهَرِ) وَعُرِضَ عَلَى الْقَائِفِ كَمَا مَرَّ إذْ لَا يُمْكِنُ الْعَمَلُ بِالْبَيِّنَتَيْنِ لِاسْتِحَالَةِ كَوْنِ الْوَلَدِ مِنْهُمَا، وَلَا تُرَجَّحُ بَيِّنَةٌ بِيَدٍ؛ لِأَنَّ الْيَدَ إنَّمَا تَدُلُّ عَلَى الْمِلْكِ لَا عَلَى النَّسَبِ. وَالثَّانِي لَا يَسْقُطَانِ وَتُرَجَّحُ إحْدَاهُمَا بِقَوْلِ الْقَائِفِ. قَالَ الرَّافِعِيُّ وَلَا يَخْتَلِفُ الْمَقْصُودُ عَلَى الْوَجْهَيْنِ وَهُمَا مُفَرَّعَانِ عَلَى قَوْلِ التَّسَاقُطِ فِي التَّعَارُضِ فِي الْأَمْوَالِ. خَاتِمَةٌ لَوْ تَدَاعَيَا مَوْلُودًا فَقَالَ أَحَدُهُمَا: هُوَ ذَكَرٌ، وَقَالَ الْآخَرُ: هُوَ أُنْثَى، فَبَانَ ذَكَرًا فَفِي الشَّامِلِ يُحْتَمَلُ أَنْ لَا تُسْمَعَ دَعْوَى مَنْ قَالَ هُوَ أُنْثَى؛ لِأَنَّهُ قَدْ عَيَّنَ غَيْرَهُ وَيُحْتَمَلُ أَنْ تُسْمَعَ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يُخْطِئُ فِي الصِّفَةِ ا هـ وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ. وَلَوْ اسْتَرْضَعَ ابْنَهُ يَهُودِيَّةً لَهَا ابْنٌ ثُمَّ غَابَ ثُمَّ رَجَعَ فَوَجَدَهَا مَيِّتَةً وَلَمْ يَعْرِفْ ابْنَهُ مِنْ ابْنِهَا أَفْتَى الْمُصَنِّفُ بِأَنَّ أَمْرَهُمَا مَوْقُوفٌ حَتَّى يَتَبَيَّنَ الْحَالُ بِبَيِّنَةٍ أَوْ قَائِفٍ، أَوْ يَبْلُغَا فَيَنْتَسِبَا انْتِسَابًا مُخْتَلِفًا، وَفِي الْحَالِ يُوضَعَانِ فِي يَدِ مُسْلِمٍ فَإِنْ لَمْ تُوجَدْ بَيِّنَةٌ وَلَا قَافَةٌ وَانْتَسَبَا إلَى وَاحِدٍ دَامَ الْوُقُوفُ فِيمَا يَرْجِعُ لِلنَّسَبِ وَيُتَلَطَّفُ بِهِمَا لِيُسْلِمَا، فَإِنْ أَصَرَّا عَلَى الِامْتِنَاعِ لَمْ يُكْرَهَا عَلَيْهِ، وَإِذَا مَاتَا دُفِنَا بَيْنَ مَقَابِرِ الْمُسْلِمِينَ وَالْكُفَّارِ، وَتَجِبُ الصَّلَاةُ عَلَيْهِمَا، وَيَنْوِي الصَّلَاةَ عَلَى الْمُسْلِمِ مِنْهُمَا إنْ صَلَّى عَلَيْهِمَا مَعًا أَوْ عَلَى وَاحِدٍ وَاحِدٍ، فَيَنْوِي الصَّلَاةَ عَلَيْهِ إنْ كَانَ مُسْلِمًا كَمَا عُلِمَ ذَلِكَ مِنْ الصَّلَاةِ عَلَى الْمَيِّتِ
المتن: هِيَ كَقَوْلِهِ: مَنْ رَدَّ آبِقِي فَلَهُ كَذَا.
الشَّرْحُ: (كِتَابُ الْجَعَالَةِ). بِتَثْلِيثِ الْجِيمِ كَمَا قَالَهُ ابْنُ مَالِكٍ وَغَيْرُهُ، اقْتَصَرَ الْمُصَنِّفُ فِي تَحْرِيرِهِ كَالْجَوْهَرِيِّ عَلَى الْكَسْرِ وَابْنُ الرِّفْعَةِ فِي كِفَايَتِهِ عَلَى الْفَتْحِ، وَ (هِيَ) لُغَةً اسْمٌ لِمَا يُجْعَلُ لِلْإِنْسَانِ عَلَى فِعْلِ شَيْءٍ وَكَذَا الْجُعْلُ وَالْجَعِيلَةُ. وَشَرْعًا الْتِزَامُ عِوَضٍ مَعْلُومٍ عَلَى عَمَلٍ مُعَيَّنٍ أَوْ مَجْهُولٍ عَسُرَ عَمَلُهُ (كَقَوْلِهِ) أَيْ مُطْلَقِ التَّصَرُّفِ (مَنْ) خَاطَ ثَوْبِي هَذَا قَمِيصًا فَلَهُ كَذَا أَوْ (رَدَّ آبِقِي) أَوْ آبِقَ زَيْدٍ (فَلَهُ كَذَا) فَعَرَّفَهُ الْمُصَنِّفُ بِالْمِثَالِ وَذَكَرَهَا تَبَعًا لِلْجُمْهُورِ بَعْدَ بَابِ اللَّقِيطِ؛ لِأَنَّهَا طَلَبُ الْتِقَاطِ الضَّالَّةِ وَمِنْهُمْ مَنْ ذَكَرَهَا عَقِبَ الْإِجَارَةِ كَصَاحِبِ التَّنْبِيهِ وَالْغَزَالِيِّ وَتَبِعَهُمْ فِي الرَّوْضَةِ لِأَنَّهَا عَقْدٌ عَلَى عَمَلٍ، وَالْأَصْلُ فِيهَا قَبْلَ الْإِجْمَاعِ، خَبَرُ الَّذِي رَقَاهُ الصَّحَابِيُّ بِالْفَاتِحَةِ عَلَى قَطِيعٍ مِنْ الْغَنَمِ كَمَا فِي خَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ وَهُوَ الرَّاقِي كَمَا رَوَاهُ الْحَاكِمُ وَقَالَ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ، وَالْقَطِيعُ ثَلَاثُونَ رَأْسًا مِنْ الْغَنَمِ وَيُسْتَأْنَسُ لَهَا بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلِمَنْ جَاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ} وَكَانَ مَعْلُومًا عِنْدَهُمْ كَالْوَسْقِ، وَلَوْ اسْتَدَلَّ بِالْآيَةِ لِمَا قَدَّمْتُهُ فِي غَيْرِ هَذَا الْبَابِ أَنَّ شَرْعَ مَنْ قَبْلَنَا لَيْسَ بِشَرْعٍ لَنَا وَإِنْ وَرَدَ فِي شَرْعِنَا مَا يُقَرِّرُهُ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ وَيُسْتَنْبَطُ مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ جَوَازُ الْجَعَالَةِ عَلَى مَا يَنْتَفِعُ بِهِ الْمَرِيضُ مِنْ دَوَاءٍ أَوْ رُقْيَةٍ وَلَمْ يَذْكُرُوهُ ا هـ. وَهُوَ ظَاهِرٌ إنْ حَصَلَ فِيهِ تَعَبٌ وَإِلَّا فَلَا كَمَا يُعْلَمُ مِمَّا يَأْتِي، وَلِأَنَّ الْحَاجَةَ تَدْعُو إلَيْهَا فِي رَدِّ ضَالَّةٍ وَآبِقٍ وَعَمَلٍ لَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ وَلَا يَجِدُ مَنْ يَتَطَوَّعُ بِرَدِّهِ، وَلَا تَصِحُّ الْإِجَارَةُ عَلَى رَدِّهِ لِلْجَهْلِ بِمَكَانِهِ فَجَازَتْ كَالْقِرَاضِ، وَاحْتُمِلَ إبْهَامُ الْعَامِلِ فِيهَا؛ لِأَنَّ الْقَائِلَ رُبَّمَا لَا يَهْتَدِي إلَى الرَّاغِبِ فِي الْعَمَلِ.
المتن: وَيُشْتَرَطُ صِيغَةٌ تَدُلُّ عَلَى الْعَمَلِ بِعِوَضٍ مُلْتَزَمٍ، فَلَوْ عَمِلَ بِلَا إذْنٍ أَوْ أَذِنَ لِشَخْصٍ فَعَمِلَ غَيْرُهُ، فَلَا شَيْءَ لَهُ.
الشَّرْحُ: وَأَرْكَانُهَا أَرْبَعَةٌ: صِيغَةٌ وَعَاقِدٌ وَعَمَلٌ وَجُعْلٌ، وَقَدْ بَدَأَ بِالْأَوَّلِ مِنْهَا مُعَبِّرًا عَنْهُ بِالشَّرْطِ كَمَا مَرَّ لَهُ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَحَلِّ فَقَالَ (وَيُشْتَرَطُ) فِيهَا لِتَتَحَقَّقَ (صِيغَةٌ) مِنْ الْجَاعِلِ مِنْ الصِّيَغِ السَّابِقَةِ وَنَحْوِهَا (تَدُلُّ عَلَى) إذْنٍ فِي (الْعَمَلِ) بِطَلَبٍ كَقَوْلِهِ رُدَّ عَبْدِي أَوْ عَبْدَ فُلَانٍ وَلَكَ كَذَا أَوْ بِشَرْطٍ كَقَوْلِهِ إنْ رَدَدْتَ عَبْدِي فَلَكَ كَذَا؛ وَالصِّيغَةُ الْمَذْكُورَةُ فِي الْمَتْنِ لَا دَلَالَةَ فِيهَا عَلَى الْإِذْنِ فِي الرَّدِّ إلَّا مِنْ جِهَةِ الْعُرْفِ لَا الْوَضْعِ (بِعِوَضٍ) مَعْلُومٍ مَقْصُودٍ (مُلْتَزَمٍ) بِمَا مَرَّ مِنْ الصِّيَغِ وَنَحْوِهَا؛ لِأَنَّهَا مُعَاوَضَةٌ فَافْتَقَرَتْ إلَى صِيغَةٍ تَدُلُّ عَلَى الْمَطْلُوبِ وَقَدْرِ الْمَبْذُولِ، وَإِشَارَةُ الْأَخْرَسِ الْمُفْهِمَةُ تَقُومُ مَقَامَ الصِّيغَةِ (فَلَوْ) رَدَّهُ مَنْ عَلِمَ بِإِذْنِهِ قَبْلَ رَدِّهِ اسْتَحَقَّ الْجُعْلَ الْمُلْتَزَمَ سَوَاءٌ أَعَلِمَهُ بِوَاسِطَةٍ أَمْ بِدُونِهَا. نَعَمْ إنْ قَالَ: إنْ رَدَّ عَبْدِي مَنْ سَمِعَ نِدَائِي فَلَهُ كَذَا فَرَدَّهُ مَنْ عَلِمَ نِدَاءَهُ وَلَمْ يَسْمَعْهُ لَمْ يَسْتَحِقَّ شَيْئًا وَإِنْ عَمِلَ طَامِعًا كَمَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ، وَإِنْ (عَمِلَ بِلَا إذْنٍ) كَأَنْ عَمِلَ قَبْلَ النِّدَاءِ فَلَا شَيْءَ لَهُ؛ لِأَنَّهُ عَمِلَ مُتَبَرِّعًا وَإِنْ كَانَ مَعْرُوفًا بِرَدِّ الضَّوَالِّ وَدَخَلَ الْعَبْدُ مَثَلًا فِي ضَمَانِهِ كَمَا جَزَمَ بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ (أَوْ أَذِنَ لِشَخْصٍ فَعَمِلَ غَيْرُهُ) (فَلَا شَيْءَ لَهُ) أَيْ لِوَاحِدٍ مِمَّنْ ذُكِرَ. أَمَّا الْعَامِلُ بِغَيْرِ إذْنٍ فَلِمَا مَرَّ. وَأَمَّا الْمُعَيَّنُ فَلَمْ يَعْمَلْ. نَعَمْ إنْ كَانَ الْغَيْرُ رَقِيقَ الْمَأْذُونِ لَهُ وَرَدَّ بَعْدَ عِلْمِ سَيِّدِهِ بِالِالْتِزَامِ اسْتَحَقَّ الْمَأْذُونُ لَهُ الْجُعْلَ؛ لِأَنَّ يَدَ رَقِيقِهِ كَيَدِهِ وَلَوْ قَالَ: مَنْ رَدَّ آبِقِي فَلَهُ كَذَا فَرَدَّهُ مَنْ لَمْ يَبْلُغْهُ نِدَاؤُهُ، أَوْ قَالَ: إنْ رَدَّهُ زَيْدٌ فَلَهُ كَذَا فَرَدَّهُ زَيْدٌ غَيْرَ عَالِمٍ بِإِذْنِهِ أَوْ أَذِنَ لَهُ فِي الرَّدِّ، وَلَمْ يَشْرُطْ عِوَضًا أَوْ شَرَطَ عِوَضًا غَيْرَ مَقْصُودٍ كَالدَّمِ فَلَا شَيْءَ لِلرَّادِّ.
تَنْبِيهٌ: أَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَذْكُرْ عِوَضًا، عَدِمَ الِاسْتِحْقَاقَ مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلٍ، وَأَجْرَى جَمَاعَةٌ فِيهِ خِلَافَ الْغَسَّالِ وَنَحْوِهِ، وَقَدْ اسْتَحْسَنَ الْمُصَنِّفُ التَّفْصِيلَ السَّابِقَ فِي الْإِجَارَةِ، وَيُشْتَرَطُ فِي الصِّيغَةِ عَدَمُ التَّأْقِيتِ كَالْقِرَاضِ، فَلَوْ قَالَ مَنْ رَدَّ آبِقِي الْيَوْمَ فَلَهُ كَذَا لَمْ يَصِحَّ؛ لِأَنَّهُ رُبَّمَا لَا يَظْفَرُ بِهِ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ. وَيُؤْخَذُ مِنْ التَّشْبِيهِ بِالْقِرَاضِ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ تَعْلِيقًا، وَهُوَ ظَاهِرٌ وَإِنْ لَمْ أَرَ مَنْ تَعَرَّضَ لَهُ.
المتن: وَلَوْ قَالَ أَجْنَبِيٌّ: مَنْ رَدَّ عَبْدَ زَيْدٍ فَلَهُ كَذَا اسْتَحَقَّهُ الرَّادُّ عَلَى الْأَجْنَبِيِّ، وَإِنْ قَالَ: قَالَ زَيْدٌ: مَنْ رَدَّ عَبْدِي فَلَهُ كَذَا وَكَانَ كَاذِبًا لَمْ يَسْتَحِقَّ عَلَيْهِ وَلَا عَلَى زَيْدٍ، وَلَا يُشْتَرَطُ قَبُولُ الْعَامِلِ وَإِنْ عَيَّنَهُ.
الشَّرْحُ: (وَ) لَا يُشْتَرَطُ فِي الْجَاعِلِ كَوْنُهُ مَالِكًا، وَحِينَئِذٍ (لَوْ قَالَ أَجْنَبِيٌّ) لَيْسَ مِنْ عَادَتِهِ الِاسْتِهْزَاءُ وَالْخَلَاعَةُ كَمَا بَحَثَهُ الزَّرْكَشِيُّ (مَنْ رَدَّ عَبْدَ زَيْدٍ فَلَهُ كَذَا اسْتَحَقَّهُ الرَّادُّ عَلَى الْأَجْنَبِيِّ) لِأَنَّهُ الْتَزَمَهُ وَلَيْسَ الْجُعْلُ عِوَضَ تَمْلِيكٍ، وَبِهَذَا خَالَفَ الثَّمَنَ فِي الْبَيْعِ حَيْثُ لَا يَجُوزُ إلَّا مِمَّنْ يَقَعُ الْمِلْكُ لَهُ. فَإِنْ قِيلَ: إنَّهُ لَمْ يَلْتَزِمْ بِقَوْلِهِ عَلَيَّ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ يُرِيدُ فَلَهُ كَذَا عَلَى مَالِكِهِ فَيَكُونُ فُضُولِيًّا مَحْضًا فَلَا يَصِحُّ وَلَا يَلْزَمُ وَاحِدًا مِنْهُمَا. أُجِيبَ بِأَنَّهُمْ جَعَلُوهُ الْتِزَامًا عِنْدَ الْإِطْلَاقِ؛ لِأَنَّهُ سَابِقٌ إلَى الْفَهْمِ، وَصَوَّرَ ابْنُ يُونُسَ الْمَسْأَلَةَ بِمَا إذَا قَالَهُ فَلَهُ عَلَيَّ، ثُمَّ قَالَ وَأَلْحَقَ الْأَئِمَّةُ بِهِ قَوْلَهُ فَلَهُ كَذَا وَإِنْ لَمْ يَقُلْ عَلَيَّ؛ لِأَنَّ ظَاهِرَهُ الْتِزَامٌ. فَإِنْ قِيلَ لَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ بِهَذَا الْقَوْلِ وَضْعُ يَدِهِ عَلَى الْآبِقِ بَلْ يَضْمَنُ، فَكَيْفَ يَسْتَحِقُّ الْأُجْرَةَ؟. أُجِيبَ بِأَنَّهُ لَا حَاجَةَ إلَى الْإِذْنِ فِي ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْمَالِكَ رَاضٍ بِهِ قَطْعًا أَوْ بِأَنَّ صُورَةَ ذَلِكَ أَنْ يَأْذَنَ الْمَالِكُ لِمَنْ شَاءَ فِي الرَّدِّ، أَوْ يَكُونَ لِأَجْنَبِيٍّ وِلَايَةٌ عَلَى الْمَالِكِ، وَلَوْ صَدَّقَ الرَّادُّ الْمُنَادِيَ عَلَى أَمْرِ السَّيِّدِ لَمْ يَرْجِعْ عَلَى الْمُنَادِي قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ.
تَنْبِيهٌ: قَدْ يُفْهِمُ تَعْبِيرُ الْمُصَنِّفِ كَغَيْرِهِ بِالْأَجْنَبِيِّ أَنَّهُ لَوْ قَالَ الْوَلِيُّ ذَلِكَ مِنْ مَحْجُورِهِ عَلَى وَجْهِ الْمَصْلَحَةِ بِحَيْثُ يَكُونُ الْجُعْلُ قَدْرَ أُجْرَةِ مِثْلِ ذَلِكَ الْعَمَلِ أَنَّ الرَّادَّ يَسْتَحِقُّهُ فِي مَالِ الْمَالِكِ بِمُقْتَضَى قَوْلِ وَلِيِّهِ. قَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ وَهُوَ وَاضِحٌ، وَلَمْ أَرَ مَنْ تَعَرَّضَ لَهُ ا هـ. فَإِنْ ثَبَتَ هَذَا لَمْ يَصِحَّ الْجَوَابُ الْأَخِيرُ عَنْ السُّؤَالِ الثَّانِي (وَإِنْ قَالَ) الْأَجْنَبِيُّ (قَالَ زَيْدٌ مَنْ رَدَّ عَبْدِي فَلَهُ كَذَا وَكَانَ) الْأَجْنَبِيُّ (كَاذِبًا لَمْ يَسْتَحِقَّ) الْعَامِلُ (عَلَيْهِ) أَيْ الْأَجْنَبِيِّ لِعَدَمِ الْتِزَامِهِ (وَلَا عَلَى زَيْدٍ) إنْ كَذَّبَ الْقَائِلَ وَإِنْ صَدَّقَهُ اسْتَحَقَّ الْعَامِلُ عَلَى زَيْدٍ إنْ كَانَ الْقَائِلُ ثِقَةً وَإِلَّا فَهُوَ كَمَا لَوْ رَدَّ عَبْدَ زَيْدٍ غَيْرَ عَالِمٍ إذْنَهُ وَالْتِزَامَهُ فَلَا شَيْءَ لَهُ عَلَى زَيْدٍ وَإِنْ صَدَّقَهُ كَمَا فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ، فَإِنْ أَنْكَرَ الْمَالِكُ الْخَبَرَ لَمْ تُقْبَلْ شَهَادَةُ الْقَائِلِ الثِّقَةِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ مُتَّهَمٌ فِي تَرْوِيجِ قَوْلِهِ (وَلَا يُشْتَرَطُ قَبُولُ الْعَامِلِ) لَفْظًا (وَإِنْ عَيَّنَهُ) الْجَاعِلُ. أَمَّا فِي غَيْرِ الْمُعَيَّنِ فَلِاسْتِحَالَةِ طَلَبِ جَوَابِهِ. وَأَمَّا فِي الْمُعَيَّنِ فَلِمَا فِيهِ مِنْ التَّضْيِيقِ فِي مَحَلِّ الْحَاجَةِ، وَعَلَيْهِ قَالَ الْقَمُولِيُّ لَوْ قَالَ لِغَيْرِهِ: إنْ رَدَدْتَ عَبْدِي فَلَكَ دِينَارٌ، فَقَالَ: أَرُدُّهُ بِنِصْفِ دِينَارٍ، فَالْوَجْهُ الْقَطْعُ بِاسْتِحْقَاقِ الدِّينَارِ. فَإِنْ قِيلَ قِيَاسُ مَا فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا فِي بَابِ الْخُلْعِ أَنَّهُ لَوْ قَالَتْ لَهُ زَوْجَتُهُ: طَلِّقْنِي بِأَلْفٍ فَطَلَّقَ بِخَمْسِمِائَةٍ فَإِنَّهُ يَقَعُ بِهَا أَنَّهُ يَسْتَحِقُّ هُنَا نِصْفَ الدِّينَارِ. أُجِيبَ بِأَنَّ الْخُلْعَ لَمَّا كَانَ فِيهِ شَوْبُ مُعَارَضَةٍ مِنْ جِهَةِ الزَّوْجِ وَقَدْ رَضِيَ بِبَعْضِ مَا شُرِطَ لَهُ اُعْتُبِرَ. وَأَمَّا الرُّكْنُ الثَّانِي، وَهُوَ الْعَاقِدُ فَيُشْتَرَطُ فِي الْمُلْتَزِمِ لِلْجُعْلِ مَالِكًا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ أَنْ يَكُونَ مُطْلَقَ التَّصَرُّفِ، فَلَا يَصِحُّ مِنْ صَبِيٍّ وَمَجْنُونٍ وَمَحْجُورِ سَفَهٍ. وَأَمَّا الْعَامِلُ فَإِنْ كَانَ مُعَيَّنًا اُشْتُرِطَ فِيهِ أَهْلِيَّةُ الْعَمَلِ فَيَدْخُلُ فِيهِ الْعَبْدُ وَغَيْرُ الْمُكَلَّفِ بِإِذْنٍ وَغَيْرِهِ كَمَا قَالَهُ السُّبْكِيُّ خِلَافًا لِابْنِ الرِّفْعَةِ فِي الْعَبْدِ إذَا لَمْ يَأْذَنْ لَهُ سَيِّدُهُ، وَيَخْرُجُ عَنْهُ الْعَاجِزُ عَنْ الْعَمَلِ كَصَغِيرٍ لَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ مَنْفَعَتَهُ مَعْدُومَةٌ فَأَشْبَهَ اسْتِئْجَارَ الْأَعْمَى لِلْحِفْظِ قَالَهُ ابْنُ الْعِمَادِ، وَإِنْ كَانَ مُبْهَمًا كَفَى عِلْمُهُ بِالنِّدَاءِ. قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ هُنَا لَوْ قَالَ مَنْ جَاءَ بِآبِقِي فَلَهُ دِينَارٌ، فَمَنْ جَاءَ بِهِ اسْتَحَقَّ مِنْ رَجُلٍ أَوْ امْرَأَةٍ أَوْ صَبِيٍّ أَوْ عَبْدٍ عَاقِلٍ أَوْ مَجْنُونٍ إذَا سَمِعَ النِّدَاءَ أَوْ عَلِمَ بِهِ لِدُخُولِهِمْ فِي عُمُومِ قَوْلِهِ مَنْ جَاءَ، وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ خِلَافًا لِمَا قَالَهُ فِي السِّيَرِ مِنْ عَدَمِ اسْتِحْقَاقِ الصَّبِيِّ وَالْعَبْدِ إذَا قَامَ بِهِ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ.
المتن: وَتَصِحُّ عَلَى عَمَلٍ مَجْهُولٍ، وَكَذَا مَعْلُومٌ فِي الْأَصَحِّ.
الشَّرْحُ: ثُمَّ شَرَعَ فِي الرُّكْنِ الثَّالِثِ وَهُوَ الْعَمَلُ، فَقَالَ (وَتَصِحُّ) الْجَعَالَةُ (عَلَى عَمَلٍ مَجْهُولٍ) كَرَدِّ آبِقِي لِلْحَاجَةِ، وَلِأَنَّ الْجَهَالَةَ إذَا اُحْتُمِلَتْ فِي الْقَرْضِ لِحُصُولِ زِيَادَةٍ فَاحْتِمَالُهَا فِي رَدِّ الْحَاصِلِ أَوْلَى. فَإِنْ قِيلَ إنَّ هَذَا قَدْ عُلِمَ مِنْ تَمْثِيلِهِ أَوَّلَ الْبَابِ بِرَدِّ الْآبِقِ. أُجِيبَ بِأَنَّ ذِكْرَهُ هُنَا لِضَرُورَةِ التَّقْسِيمِ وَأَطْلَقَ تَبَعًا لِلرَّافِعِيِّ صِحَّتَهَا عَلَى الْمَجْهُولِ، وَهُوَ مَخْصُوصٌ كَمَا قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ تَبَعًا لِلْقَاضِي حُسَيْنٍ بِمَا عَسُرَ عَمَلُهُ كَمَا مَرَّ، فَإِنْ سَهُلَ تَعَيَّنَ ضَبْطُهُ، إذْ لَا حَاجَةَ إلَى احْتِمَالِ الْجَهَالَةِ فَفِي بِنَاءِ حَائِطٍ يُبَيِّنُ طُولَهُ وَعَرْضَهُ وَارْتِفَاعَهُ وَمَوْضِعَهُ وَمَا يُبْنَى عَلَيْهِ، وَفِي الْخِيَاطَةِ يُعْتَبَرُ وَصْفُ الثَّوْبِ وَالْخِيَاطَةِ (وَكَذَا) كُلُّ عَمَلٍ (مَعْلُومٍ) يُقَابَلُ بِأُجْرَةٍ كَالْخِيَاطَةِ وَالْبِنَاءِ تَصِحُّ الْجَعَالَةُ عَلَيْهِ (فِي الْأَصَحِّ) لِأَنَّهُ إذَا جَازَ مَعَ الْجَهَالَةِ فَمَعَ الْعِلْمِ أَوْلَى، وَالثَّانِي الْمَنْعُ اسْتِغْنَاءً بِالْإِجَارَةِ، وَسَوَاءٌ فِي الْعَمَلِ الْوَاجِبِ وَغَيْرِهِ، فَلَوْ حُبِسَ ظُلْمًا فَبَذَلَ مَالًا لِمَنْ يَتَكَلَّمُ فِي خَلَاصِهِ بِجَاهِهِ أَوْ بِغَيْرِهِ جَازَ كَمَا نَقَلَهُ الْمُصَنِّفُ فِي فَتَاوِيهِ عَنْ جَمَاعَةٍ، وَإِنْ كَانَ هَذَا الْعَمَلُ فَرْضَ كِفَايَةٍ.
تَنْبِيهٌ: يُشْتَرَطُ فِي الْعَمَلِ كَوْنُهُ فِيهِ كُلْفَةٌ، وَعَلَى هَذَا لَوْ سَمِعَ النِّدَاءَ مَنْ الْمَطْلُوبُ فِي يَدِهِ فَرَدَّهُ وَفِي الرَّدِّ كُلْفَةٌ كَالْآبِقِ اسْتَحَقَّ الْجُعْلَ وَإِلَّا فَلَا يَسْتَحِقُّ شَيْئًا؛ لِأَنَّ مَا لَا كُلْفَةَ فِيهِ لَا يُقَابَلُ بِعِوَضٍ، وَشَمِلَ كَلَامُهُمْ مَا لَوْ كَانَ الْمَالُ فِي يَدِهِ بِجِهَةٍ تُوجِبُ الرَّدَّ، كَالْغَصْبِ وَالْعَارِيَّةِ، وَقَضِيَّتُهُ الِاسْتِحْقَاقُ بِالرَّدِّ إنْ كَانَ فِيهِ كُلْفَةٌ، وَلَكِنْ تَعْلِيلُهُمْ عَدَمَ اسْتِحْقَاقِ مَنْ دَلَّ عَلَى مَا فِي يَدِهِ أَنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ شَيْئًا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ وَاجِبٌ عَلَيْهِ شَرْعًا يَقْتَضِي خِلَافَهُ، وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ كَمَا قَالَهُ بَعْضُ شُرَّاحِ الْكِتَابِ، وَلَوْ جَعَلَ لِمَنْ أَخْبَرَهُ بِكَذَا جُعْلًا فَأَخْبَرَهُ بِهِ لَمْ يَسْتَحِقَّ شَيْئًا؛ لِأَنَّهُ لَا يَحْتَاجُ فِيهِ إلَى عَمَلٍ، فَإِنْ تَعِبَ وَصَدَقَ فِي إخْبَارِهِ وَكَانَ لِلْمُسْتَخْبِرِ غَرَضٌ فِي الْمُخْبَرِ بِهِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الرَّافِعِيُّ فِي آخِرِ الْبَابِ اسْتَحَقَّ الْجُعْلَ.
المتن: وَيُشْتَرَطُ كَوْنُ الْجُعْلِ، مَعْلُومًا فَلَوْ قَالَ: مَنْ رَدَّهُ فَلَهُ ثَوْبٌ أَوْ أُرْضِيهِ فَسَدَ الْعَقْدُ، وَلِلرَّادِّ أُجْرَةُ مِثْلِهِ.
الشَّرْحُ: ثُمَّ شَرَعَ فِي الرُّكْنِ الرَّابِعِ، وَهُوَ الْجُعْلُ، فَقَالَ (وَيُشْتَرَطُ) لِصِحَّةِ الْجَعَالَةِ (كَوْنُ الْجُعْلِ) مَالًا (مَعْلُومًا) لِأَنَّهُ عِوَضٌ كَالْأُجْرَةِ، وَلِأَنَّهُ عَقْدٌ جُوِّزَ لِلْحَاجَةِ، وَلَا حَاجَةَ لِجَهَالَةِ الْعِوَضِ بِخِلَافِ الْعَمَلِ وَالْعَامِلِ (فَلَوْ) كَانَ مَجْهُولًا، كَأَنْ (قَالَ: مَنْ رَدَّهُ) أَيْ عَبْدِي مَثَلًا (فَلَهُ ثَوْبٌ أَوْ أُرْضِيهِ) أَوْ نَحْوَهُ أَوْ كَانَ الْجُعْلُ خَمْرًا أَوْ مَغْصُوبًا (فَسَدَ الْعَقْدُ) لِجَهْلِ الْجُعْلِ أَوْ نَجَاسَةِ عَيْنِهِ أَوْ عَدَمِ الْقُدْرَةِ عَلَى تَسْلِيمِهِ (وَلِلرَّادِّ أُجْرَةُ مِثْلِهِ) كَالْإِجَارَةِ الْفَاسِدَةِ، وَاسْتُثْنِيَ مِنْ هُنَا صُورَتَانِ الْأُولَى مَا إذَا قَالَ حُجَّ عَنِّي وَأُعْطِيكَ نَفَقَتَكَ فَإِنَّهُ يَجُوزُ مَعَ جَهَالَتِهَا كَمَا جَزَمَ بِهِ الرَّافِعِيُّ فِي الشَّرْحِ الصَّغِيرِ، وَالْمُصَنِّفُ فِي الرَّوْضَةِ، وَقِيلَ إنَّ هَذِهِ أَرْزَاقٌ لَا جَعَالَةٌ، وَإِنَّمَا يَكُونُ جَعَالَةً إذَا جَعَلَهُ عِوَضًا، فَقَالَ: حُجَّ عَنِّي بِنَفَقَتِكَ، وَقَدْ صَرَّحَ الْمَاوَرْدِيُّ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ بِأَنَّهَا جَعَالَةٌ فَاسِدَةٌ، وَنَصَّ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ. الثَّانِيَةُ مَسْأَلَةُ الْعِلْجِ، وَسَتَأْتِي فِي السِّيَرِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
تَنْبِيهٌ: وَلَوْ وَصَفَ الْجُعْلَ بِمَا يُفِيدُ الْعِلْمَ اسْتَحَقَّهُ الْعَامِلُ كَمَا جَزَمَ بِهِ فِي الْأَنْوَارِ، وَنَقَلَهُ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ عَنْ الْمُتَوَلِّي فَإِنْ قِيلَ قَدْ تَقَرَّرَ فِي الْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ وَغَيْرِهِمَا أَنَّ الشَّيْءَ الْمُعَيَّنَ لَا يُغْنِي وَصْفُهُ عَنْ رُؤْيَتِهِ، وَحِينَئِذٍ فَلَهُ أُجْرَةُ الْمِثْلِ هُنَا. أُجِيبَ بِأَنَّ تِلْكَ الْعُقُودَ عُقُودٌ لَازِمَةٌ بِخِلَافِ الْجَعَالَةِ، فَاحْتِيطَ لَهَا مَا لَمْ يُحْتَطْ لِلْجَعَالَةِ، وَلَوْ قَالَ مَنْ رَدَّ رَقِيقِي مَثَلًا فَلَهُ ثِيَابُهُ أَوْ رُبُعُهُ اسْتَحَقَّ الْمَشْرُوطَ إنْ عَلِمَهُ وَإِلَّا فَأُجْرَةُ الْمِثْلِ، وَهَلْ يَكْفِي الْوَصْفُ فِي الرَّقِيقِ أَوْ لَا لِتَفَاوُتِ الْأَغْرَاضِ؟ فِيهِ خِلَافٌ، وَاَلَّذِي يَنْبَغِي أَنَّهُ إنْ وَصَفَهُ بِمَا يُفِيدُ الْعِلْمَ الصِّحَّةُ. فَائِدَةٌ: الِاعْتِبَارُ بِأُجْرَةِ الْمِثْلِ بِالزَّمَانِ الَّذِي حَصَلَ فِيهِ كُلُّ الْعَمَلِ لَا بِالزَّمَانِ الَّذِي حَصَلَ فِيهِ التَّسْلِيمُ كَمَا قَالُوهُ فِي الْمُسَابَقَةِ.
المتن: وَلَوْ قَالَ مِنْ بَلَدِ كَذَا فَرَدَّهُ مِنْ أَقْرَبَ مِنْهُ فَلَهُ قِسْطُهُ مِنْ الْجُعْلِ.
الشَّرْحُ: (وَلَوْ قَالَ) شَخْصٌ بِنَاءً عَلَى صِحَّةِ الْجَعَالَةِ عَلَى عَمَلٍ مَعْلُومٍ: مَنْ رَدَّ عَبْدِي مَثَلًا (مِنْ بَلَدِ كَذَا) فَلَهُ كَذَا (فَرَدَّهُ) الْعَامِلُ (مِنْ) مَكَانٍ (أَقْرَبَ مِنْهُ) (فَلَهُ قِسْطُهُ) أَيْ الْأَقْرَبِ (مِنْ الْجُعْلِ)؛ لِأَنَّهُ جَعَلَ كُلَّ الْجُعْلِ فِي مُقَابَلَةِ الْعَمَلِ فَبَعْضُهُ فِي مُقَابَلَةِ الْبَعْضِ، فَإِنْ رَدَّهُ مِنْ نِصْفِ الطَّرِيقِ مَثَلًا اسْتَحَقَّ نِصْفَ الْجُعْلِ، وَيَجِبُ فَرْضُهُ كَمَا قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ فِيمَا إذَا تَسَاوَتْ الطَّرِيقُ سُهُولَةً وَحُزُونَةً، فَإِنْ تَفَاوَتْ بِأَنْ كَانَتْ أُجْرَةُ نِصْفِ الْمَسَافَةِ ضِعْفُ أُجْرَةِ النِّصْفِ الْآخَرِ فَيُقَابِلُهُ ثُلُثَا الْجُعْلِ.
تَنْبِيهٌ: شَمِلَ قَوْلُهُ " أَقْرَبَ " تِلْكَ الْبَلْدَةَ وَغَيْرَهَا، وَهُوَ كَذَلِكَ، وَإِنْ نَظَرَ السُّبْكِيُّ، فَلَوْ قَالَ مَكِّيٌّ: مَنْ رَدَّ عَبْدِي مِنْ عَرَفَةَ فَلَهُ كَذَا فَرَدَّهُ مِنْ مِنًى أَوْ مِنْ التَّنْعِيمِ اسْتَحَقَّ بِالْقَصْدِ؛ لِأَنَّ التَّنْصِيصَ عَلَى الْمَكَانِ إنَّمَا يُرَادُ بِهِ الْإِشَارَةُ إلَى مَوْضِعِ الْآبِقِ أَوْ مَظِنَّتِهِ، لَا أَنَّ الرَّدَّ مِنْهُ شَرْطٌ فِي أَصْلِ الِاسْتِحْقَاقِ، إذْ لَوْ أُرِيدَ حَقِيقَةُ ذَلِكَ الْمَكَانِ لَكَانَ إذَا رَدَّهُ مِنْ دُونِهِ لَا يَسْتَحِقُّ شَيْئًا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَرُدَّهُ مِنْهُ، وَخَرَجَ بِأَقْرَبَ مَا لَوْ رَدَّهُ مِنْ أَبْعَدَ فَلَا يَسْتَحِقُّ لِلزِّيَادَةِ شَيْئًا.
المتن: وَلَوْ اشْتَرَكَ اثْنَانِ فِي رَدِّهِ اشْتَرَكَا فِي الْجُعْلِ.
الشَّرْحُ: (وَلَوْ) عَمَّمَ الْمَالِكُ النِّدَاءَ، كَأَنْ قَالَ: مَنْ رَدَّ عَبْدِي فَلَهُ كَذَا وَ (اشْتَرَكَ) حِينَئِذٍ (اثْنَانِ) مَثَلًا غَيْرُ مُعَيَّنَيْنِ (فِي رَدِّهِ اشْتَرَكَا فِي الْجُعْلِ) لِحُصُولِ الرَّدِّ مِنْهُمَا، وَالِاشْتِرَاكُ فِيهِ عَلَى عَدَدِ الرُّءُوسِ وَإِنْ تَفَاوَتَا فِي الْعَمَلِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَنْضَبِطُ أَيْ غَالِبًا حَتَّى يَقَعَ التَّوْزِيعُ عَلَيْهِ، وَخَالَفَ هَذَا مَا لَوْ قَالَ: مَنْ دَخَلَ دَارِي فَأَعْطِهِ دِرْهَمًا فَدَخَلَ جَمْعٌ اسْتَحَقَّ كُلُّ وَاحِدٍ دِرْهَمًا؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ دَخَلَ وَلَيْسَ كُلُّ وَاحِدٍ يُرَادُ، وَمَا لَوْ قَالَ: مَنْ حَجَّ عَنِّي فَلَهُ دِينَارٌ فَحَجَّ عَنْهُ اثْنَانِ مَعًا لَمْ يَسْتَحِقَّ وَاحِدٌ مِنْهُمَا شَيْئًا؛ لِأَنَّ أَحَدَهُمَا لَيْسَ أَوْلَى مِنْ الْآخَرِ كَالْوَلِيَّيْنِ فِي عَقْدِ النِّكَاحِ كَمَا ذَكَرُوهُ فِي كِتَابِ الْحَجِّ، فَإِنْ سَبَقَ أَحَدُهُمَا اسْتَحَقَّ، وَلَوْ قَالَ مَنْ رَدَّ الْعَبْدَيْنِ مِنْ كَذَا فَلَهُ دِينَارٌ فَرَدَّهُمَا سَامِعٌ مِنْ نِصْفِ الْمَسَافَةِ، أَوْ رَدَّ أَحَدَهُمَا مِنْ جَمِيعِهَا اسْتَحَقَّ النِّصْفَ عَمَلًا بِالتَّوْزِيعِ عَلَى الْعَمَلِ، أَوْ قَالَ لِاثْنَيْنِ: إنْ رَدَدْتُمَا الْعَبْدَيْنِ فَلَكُمَا كَذَا فَرَدَّهُمَا وَاحِدٌ مِنْهُمَا فَلَهُ النِّصْفُ. أَوْ رَدَّ أَحَدُهُمَا وَاحِدًا مِنْ الْعَبْدَيْنِ فَلَهُ الرُّبُعُ لِذَلِكَ فِيهِمَا، قَالَ السُّبْكِيُّ وَلَوْ قَالَ قَائِلٌ أَيُّ رَجُلٍ رَدَّ عَبْدِي فَلَهُ دِرْهَمٌ فَرَدَّهُ اثْنَانِ اقْتَسَمَا الدِّرْهَمَ بَيْنَهُمَا عَلَى الْأَقْرَبِ عِنْدِي، وَلَوْ كَانَ عَبْدٌ بَيْنَ اثْنَيْنِ لِأَحَدِهِمَا ثُلُثُهُ فَقَالَا لِرَجُلٍ: إنْ رَدَدْتَ عَبْدَنَا فَلَكَ دِينَارٌ فَرَدَّهُ فَالدِّينَارُ بَيْنَهُمَا أَثْلَاثًا عَلَى قَدْرِ الْمِلْكِ فِي أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ كَمَا قَالَهُ الْقَاضِي.
المتن: وَلَوْ الْتَزَمَ جُعْلًا لِمُعَيَّنٍ فَشَارَكَهُ غَيْرُهُ فِي الْعَمَلِ إنْ قَصَدَ إعَانَتَهُ فَلَهُ كُلُّ الْجُعْلِ، وَإِنْ قَصَدَ الْعَمَلَ لِلْمَالِكِ فَلِلْأَوَّلِ قِسْطُهُ، وَلَا شَيْءَ لِلْمُشَارِكِ بِحَالٍ، وَلِكُلٍّ مِنْهُمَا الْفَسْخُ قَبْلَ تَمَامِ الْعَمَلِ.
الشَّرْحُ: (وَلَوْ الْتَزَمَ جُعْلًا لِمُعَيَّنٍ) كَإِنْ رَدَدْتَ عَبْدِي فَلَكَ دِينَارٌ (فَشَارَكَهُ غَيْرُهُ فِي الْعَمَلِ إنْ قَصَدَ) الْغَيْرُ (إعَانَتَهُ) بِعِوَضٍ أَوْ بِغَيْرِهِ (فَلَهُ) أَيْ الْمُعَيَّنِ (كُلُّ الْجُعْلِ)؛ لِأَنَّ رَدَّ غَيْرِ الْمُعَيَّنِ بِقَصْدِ الْإِعَانَةِ لَهُ وَاقِعٌ عَنْهُ وَمَقْصُودُ الْمَالِكِ رَدُّ الْآبِقِ بِأَيِّ وَجْهٍ أَمْكَنَ، فَلَا يُحْمَلُ لَفْظُهُ عَلَى قَصْرِ الْعَمَلِ عَلَى الْمُخَاطَبِ (وَإِنْ قَصَدَ) الْمُشَارِكُ (الْعَمَلَ) لِنَفْسِهِ أَوْ (لِلْمَالِكِ) أَوْ مُطْلَقًا كَمَا بَحَثَهُ شَيْخُنَا (فَلِلْأَوَّلِ) أَيْ الْمُعَيَّنِ (قِسْطُهُ) وَهُوَ النِّصْفُ، إذْ الْقِسْمَةُ عَلَى عَدَدِ الرُّءُوسِ كَمَا مَرَّ وَإِنْ أَفْهَمَتْ عِبَارَتُهُ أَنَّهَا عَلَى قَدْرِ الْعَمَلِ، وَلَوْ قَصَدَ الْعَمَلَ لِنَفْسِهِ وَالْعَامِلِ، أَوْ لِلْعَامِلِ وَالْمُلْتَزِمِ أَوْ لِلْجَمِيعِ فَلِلْمُعَيَّنِ فِي غَيْرِ الْأَخِيرَةِ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ الْجُعْلِ وَفِيهَا ثُلُثَاهُ، وَلَوْ شَارَكَهُ اثْنَانِ فِي الرَّدِّ فَإِنْ قَصَدَا إعَانَتَهُ فَلَهُ تَمَامُ الْجُعْلِ، أَوْ الْعَمَلَ لِلْمَالِكِ فَلَهُ ثُلُثُهُ أَوْ وَاحِدٌ إعَانَتَهُ وَالْآخَرُ الْعَمَلَ لِلْمَالِكِ فَلَهُ ثُلُثَاهُ (وَلَا شَيْءَ لِلْمُشَارِكِ بِحَالٍ) فِي أَيِّ حَالٍ مِمَّا قَصَدَهُ؛ لِأَنَّ الْمَالِكَ لَمْ يَلْتَزِمْ لَهُ شَيْئًا. نَعَمْ إنْ الْتَزَمَ لَهُ الْعَامِلُ بِشَيْءٍ لَزِمَهُ، وَلَوْ قَالَ لِزَيْدٍ: رُدَّ عَبْدِي مَثَلًا وَلَك دِينَارٌ فَأَعَانَهُ آخَرُ فَالْكُلُّ لِزَيْدٍ، فَقَدْ يَحْتَاجُ لِلْمُعَاوَنَةِ وَغَرَضُ الْمُلْتَزِمِ الْعَمَلُ بِأَيِّ وَجْهٍ أَمْكَنَ فَلَا يُحْمَلُ عَلَى قَصْرِ الْعَمَلِ عَلَى الْمُخَاطَبِ، وَيَجُوزُ لِلْعَامِلِ أَنْ يَسْتَعِينَ بِغَيْرِهِ إذَا لَمْ يَكُنْ مُعَيَّنًا وَإِنْ لَمْ يَعْجَزْ؛ لِأَنَّ الْجَعَالَةَ خُفِّفَ فِيهَا وَإِنْ كَانَ مُعَيَّنًا. فَهُوَ كَالْوَكِيلِ فَيَجُوزُ أَنْ يَسْتَعِينَ بِهِ فِيمَا يَعْجَزُ عَنْهُ أَوْ لَا يَلِيقُ بِهِ كَمَا يُوَكِّلُ فِيهِ، وَتَوْكِيلُ غَيْرِ الْمُعَيَّنِ بَعْدَ سَمَاعِهِ النِّدَاءَ غَيْرَهُ كَالتَّوْكِيلِ فِي الِاحْتِطَابِ وَنَحْوِهِ فَيَجُوزُ. فَائِدَةٌ: اسْتَنْبَطَ السُّبْكِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - مِنْ اسْتِحْقَاقِ الْمَجْعُولِ لَهُ تَمَامَ الْجُعْلِ إذَا قَصَدَ الْمُشَارِكُ إعَانَتَهُ، وَمِنْ اسْتِحْقَاقِ الْعَامِلِ فِي الْمُسَاقَاةِ نَصِيبَهُ إذَا تَبَرَّعَ عَنْهُ الْمَالِكُ أَوْ أَجْنَبِيٌّ فِي الْعَمَلِ جَوَازَ الِاسْتِنَابَةِ فِي الْإِمَامَةِ، وَكُلُّ وَظِيفَةٍ تَقْبَلُ الِاسْتِنَابَةَ كَالتَّدْرِيسِ بِشَرْطِ أَنْ يَسْتَنِيبَ مِثْلَهُ أَوْ خَيْرًا مِنْهُ وَيَسْتَحِقُّ كُلَّ الْمَعْلُومِ. قَالَ: وَإِنْ أَفْتَى ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَالنَّوَوِيُّ بِعَدَمِ اسْتِحْقَاقِ وَاحِدٍ مِنْهُمَا. قَالَا: أَمَّا الْمُسْتَنِيبُ فَلِعَدَمِ مُبَاشَرَتِهِ. وَأَمَّا النَّائِبُ فَلِعَدَمِ وِلَايَتِهِ إلَّا أَنْ يَأْذَنَ لَهُ النَّاظِرُ فِي الْمُبَاشَرَةِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ وَمُدْرِكُهُمَا فِي ذَلِكَ أَنَّ الرِّيعَ لَيْسَ مِنْ بَابِ الْإِجَارَةِ وَلَا الْجَعَالَةِ؛ لِأَنَّ شَرْطَهُمَا أَنْ يَقَعَ الْعَمَلُ فِيهِمَا لِلْمُسْتَأْجِرِ وَالْجَاعِلِ، وَالْعَمَلُ هُنَا لَا يُمْكِنُ وُقُوعُهُ لِلْجَاعِلِ فَلَمْ يَبْقَ إلَّا الْإِبَاحَةُ بِشَرْطِ الْحُضُورِ وَلَمْ يُوجَدْ فَلَا يَصِحُّ إلْحَاقُهُ بِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ. وَقَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَمَا ذَكَرَهُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: فَتْحُ بَابٍ لِأَرْبَابِ الْجِهَاتِ وَالْجَهَالَاتِ فِي تَوَلِّي الْمَنَاصِبِ الدِّينِيَّةِ وَاسْتِنَابَةِ مَنْ لَا يَصْلُحُ أَوْ يَصْلُحُ بِنَذْرٍ يَسِيرٍ مِنْ الْمَعْلُومِ وَيَأْخُذُ ذَلِكَ الْمُسْتَنِيبُ مَالَ الْوَقْفِ عَلَى مَمَرِّ الْأَعْصَارِ ا هـ. وَقَالَ الْغَزِّيُّ بَعْدَ تَمْثِيلِ السُّبْكِيّ بِالْإِمَامَةِ، وَهَذَا بِخِلَافِ الْفُقَهَاءِ. قَالَ ابْنُ شُهْبَةَ: وَهُوَ وَاضِحٌ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ أَنْ يَسْتَنِيبَ مَنْ يَتَفَقَّهُ عَنْهُ ا هـ. وَاعْلَمْ أَنَّ الْجَعَالَةَ إذَا وَرَدَتْ عَلَى بَذْلِ الْمَنَافِعِ فِي تَحْصِيلِ الشَّيْءِ فَلَهَا صُورَتَانِ إحْدَاهُمَا أَنْ يَكُونَ الْجُعْلُ عَلَى شَيْءٍ وَاحِدٍ كَقَوْلِهِ: مَنْ بَنَى لِي حَائِطًا أَوْ خَاطَ لِي ثَوْبًا فَلَهُ كَذَا فَخَاطَ بَعْضٌ الثَّوْبَ، أَوْ بَنَى بَعْضٌ الْحَائِطَ، وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَى ذَلِكَ. الثَّانِيَةُ أَنْ يَكُونَ عَلَى تَحْصِيلِ شَيْئَيْنِ يَنْفَكُّ أَحَدُهُمَا عَنْ الْآخَرِ كَقَوْلِهِ مَنْ رَدَّ الْعَبْدَيْنِ فَلَهُ كَذَا فَرَدَّ أَحَدَهُمَا اسْتَحَقَّ نِصْفَ الْجُعْلِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ وَعَلَى هَذَا يَتَخَرَّجُ غَيْبَةُ الطَّالِبِ عَنْ الدَّرْسِ بَعْضَ الْأَيَّامِ، إذَا قَالَ الْوَاقِفُ مَنْ حَضَرَ شَهْرَ كَذَا فَلَهُ كَذَا فَإِنَّ الْأَيَّامَ كَمَسْأَلَةِ الْعَبِيدِ فَإِنَّهَا أَشْيَاءُ مُتَفَاصِلَةٌ فَيَسْتَحِقُّ قِسْطَ مَا حَضَرَ. قَالَ فَتَفَطَّنْ لِذَلِكَ فَإِنَّهُ مِمَّا يُغْلَطُ فِيهِ. قَالَ الدَّمِيرِيُّ وَلِذَلِكَ كَانَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ الْقُشَيْرِيُّ إذَا بَطَلَ يَوْمًا غَيْرَ مَعْهُودِ الْبَطَالَةِ فِي دَرْسِهِ لَا يَأْخُذُ لِذَلِكَ الْيَوْمِ مَعْلُومًا. قَالَ وَسَأَلْت شَيْخَنَا عَنْ ذَلِكَ مَرَّتَيْنِ فَقَالَ إنْ كَانَ الطَّالِبُ فِي حَالِ انْقِطَاعِهِ مُشْتَغِلًا بِالْعِلْمِ اسْتَحَقَّ وَإِلَّا فَلَا. قَالَ - يَعْنِي شَيْخَهُ -: وَلَوْ حَضَرَ وَلَمْ يَكُنْ بِصَدَدِ الِاشْتِغَالِ لَمْ يَسْتَحِقَّ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ نَفْعُهُ بِالْعِلْمِ لَا مُجَرَّدُ حُضُورِهِ، وَكَانَ يَذْهَبُ إلَى أَنَّ ذَلِكَ مِنْ بَابِ الْإِرْصَادِ ا هـ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ وَلَوْ تَوَلَّى وَظِيفَةً وَأُكْرِهَ عَلَى عَدَمِ مُبَاشَرَتِهَا أَفْتَى الشَّيْخُ تَاجُ الدِّينِ الْفَزَارِيّ بِاسْتِحْقَاقِهِ الْمَعْلُومَ، وَالظَّاهِرُ خِلَافُهُ؛ لِأَنَّهَا جَعَالَةٌ وَهُوَ لَمْ يُبَاشِرْ ا هـ. وَالظَّاهِرُ مَا أَفْتَى بِهِ الشَّيْخُ تَاجُ الدِّينِ، وَاَلَّذِي يَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ فِي ذَلِكَ أَنَّ هَذِهِ الْوَظَائِفَ إنْ كَانَتْ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ وَكَانَ مَنْ هِيَ بِيَدِهِ مُسْتَحِقًّا فَهُوَ يَسْتَحِقُّ مَعْلُومَهَا سَوَاءٌ أَحَضَرَ أَمْ لَا اسْتَنَابَ أَمْ لَا. وَأَمَّا النَّائِبُ فَإِنْ جُعِلَ لَهُ مَعْلُومٌ فِي نِيَابَتِهِ اسْتَحَقَّ وَإِلَّا فَلَا، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ، أَوْ كَانَتْ وَلَمْ يَكُنْ مُسْتَحِقًّا فِيهِ، فَمَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ هُوَ الظَّاهِرُ (وَلِكُلٍّ مِنْهُمَا) أَيْ الْمَالِكِ وَالْعَامِلِ (الْفَسْخُ قَبْلَ تَمَامِ الْعَمَلِ) لِأَنَّهُ عَقْدٌ جَائِزٌ مِنْ الطَّرَفَيْنِ. أَمَّا مِنْ جِهَةِ الْمُلْتَزَمِ فَلِأَنَّهَا تَعْلِيقُ اسْتِحْقَاقٍ بِشَرْطٍ فَأَشْبَهَتْ الْوَصِيَّةَ. وَأَمَّا مِنْ جِهَةِ الْعَامِلِ فَلِأَنَّ الْعَمَلَ فِيهَا مَجْهُولٌ فَأَشْبَهَتْ الْقِرَاضَ.
المتن: فَإِنْ فَسَخَ قَبْلَ الشُّرُوعِ أَوْ فَسَخَ الْعَامِلُ بَعْدَ الشُّرُوعِ فَلَا شَيْءَ لَهُ.
الشَّرْحُ:
تَنْبِيهٌ: إنَّمَا يُتَصَوَّرُ الْفَسْخُ ابْتِدَاءً مِنْ الْعَامِلِ الْمُعَيَّنِ. وَأَمَّا غَيْرُهُ فَلَا يُتَصَوَّرُ الْفَسْخُ مِنْهُ إلَّا بَعْدَ الشُّرُوعِ فِي الْعَمَلِ، وَتَقَدَّمَ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ قَبُولُ الْعَامِلِ فَيُؤَوَّلُ الْفَسْخُ فِي حَقِّهِ بِالرَّدِّ، وَخَرَجَ بِقَوْلِهِ قَبْلَ تَمَامِ الْعَمَلِ مَا بَعْدَهُ فَإِنَّهُ لَا أَثَرَ لِلْفَسْخِ حِينَئِذٍ لِلُزُومِ الْجُعْلِ (فَإِنْ فُسِخَ) بِضَمِّ أَوَّلِهِ بِخَطِّهِ أَيْ فَسَخَ الْمَالِكُ أَوْ الْعَامِلُ الْمُعَيَّنُ (قَبْلَ الشُّرُوعِ) فِي الْعَمَلِ (أَوْ فَسَخَ الْعَامِلُ بَعْدَ الشُّرُوعِ) فِيهِ (فَلَا شَيْءَ لَهُ) فِي الصُّورَتَيْنِ. أَمَّا الْأُولَى فَلِأَنَّهُ لَمْ يَعْمَلْ شَيْئًا، وَأَمَّا فِي الثَّانِيَةِ فَلِأَنَّهُ لَمْ يَحْصُلْ غَرَضُ الْمَالِكِ، سَوَاءٌ أَوْقَعَ الْعَمَلَ مُسْلِمٌ أَمْ لَا كَمَا جَزَمَ بِهِ ابْنُ الرِّفْعَةِ. نَعَمْ لَوْ زَادَ الْمَالِكُ فِي الْعَمَلِ وَلَمْ يَرْضَ الْعَامِلُ بِالزِّيَادَةِ فَفَسَخَ لِذَلِكَ فَلَهُ أُجْرَةُ الْمِثْلِ كَمَا ذَكَرَهُ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ فِي آخِرِ الْمُسَابَقَةِ؛ لِأَنَّ الْمَالِكَ هُوَ الَّذِي أَلْجَأَهُ لِذَلِكَ، وَقَوْلُ الْإِسْنَوِيِّ وَقِيَاسُهُ إذَا نَقَصَ مِنْ الْجُعْلِ مَمْنُوعٌ وَإِنْ كَانَ الْحُكْمُ صَحِيحًا؛ لِأَنَّ النَّقْصَ فَسْخٌ كَمَا سَيَأْتِي فَهُوَ فَسْخٌ مِنْ الْمَالِكِ لَا مِنْ الْعَامِلِ وَلَوْ فَسَخَ الْعَامِلُ وَالْمُلْتَزِمُ مَعًا لَمْ أَرَ مَنْ ذَكَرَهُ، وَيَنْبَغِي عَدَمُ الِاسْتِحْقَاقِ لِاجْتِمَاعِ الْمُقْتَضِي وَالْمَانِعِ وَإِنْ عَمِلَ الْعَامِلُ شَيْئًا بَعْدَ الْفَسْخِ. قَالَ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ لَمْ يَسْتَحِقَّ شَيْئًا إنْ عَلِمَ بِالْفَسْخِ، فَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ بَنَى عَلَى الْخِلَافِ فِي نُفُوذِ عَزْلِ الْوَكِيلِ فِي غَيْبَتِهِ قَبْلَ عِلْمِهِ ا هـ. وَقَضِيَّةُ الْبِنَاءِ عَدَمُ الِاسْتِحْقَاقِ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ كَمَا جَزَمَ بِهِ ابْنُ الْمُقْرِي، وَإِنْ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ: إنَّ لَهُ الْمُسَمَّى إذَا كَانَ جَاهِلًا وَهُوَ مُعَيَّنٌ أَوْ لَمْ يُعَيِّنْ الْمَالِكُ بِالْفَسْخِ. قَالَ ابْنُ شُهْبَةَ وَلَعَلَّ مَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الْوَكِيلَ لَا يَنْعَزِلُ إلَّا بِالْعِلْمِ، وَيَنْفَسِخُ أَيْضًا بِمَوْتِ أَحَدِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ وَبِجُنُونِهِ وَإِغْمَائِهِ، وَإِنْ مَاتَ الْمَالِكُ بَعْدَ الشُّرُوعِ فِي الْعَمَلِ فَرَدَّهُ إلَى وَارِثِهِ وَجَبَ قِسْطُ مَا عَمِلَهُ فِي الْحَيَاةِ مِنْ الْمُسَمَّى. قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَلَوْ مَاتَ الْعَامِلُ فَرَدَّهُ وَارِثُهُ اسْتَحَقَّ الْقِسْطَ أَيْضًا ا هـ. وَهَذَا إذَا كَانَ الْعَامِلُ مُعَيَّنًا. أَمَّا غَيْرُ الْمُعَيَّنِ فَيَظْهَرُ أَنَّهُ يَسْتَحِقُّ الْجَمِيعَ بِعَمَلِهِ وَعَمَلِ مُوَرِّثِهِ. كَمَا لَوْ رَدَّهُ اثْنَانِ، وَهَذَا ظَاهِرٌ وَلَمْ أَرَ مَنْ ذَكَرَهُ.
المتن: وَإِنْ فَسَخَ الْمَالِكُ بَعْدَ الشُّرُوعِ فَعَلَيْهِ أُجْرَةُ الْمِثْلِ فِي الْأَصَحِّ، وَلِلْمَالِكِ أَنْ يَزِيدَ وَيَنْقُصَ فِي الْجُعْلِ قَبْلَ الْفَرَاغِ وَفَائِدَتُهُ بَعْدَ الشُّرُوعِ وُجُوبُ أُجْرَةِ الْمِثْلِ.
الشَّرْحُ: (وَإِنْ فَسَخَ الْمَالِكُ بَعْدَ الشُّرُوعِ) فِي الْعَمَلِ (فَعَلَيْهِ أُجْرَةُ الْمِثْلِ) لِمَا عَمِلَهُ الْعَامِلُ (فِي الْأَصَحِّ)؛ لِأَنَّ جَوَازَ الْعَقْدِ يَقْتَضِي التَّسْلِيطَ عَلَى رَفْعِهِ، وَإِذَا ارْتَفَعَ لَمْ يَجِبْ الْمُسَمَّى كَسَائِرِ الْفُسُوخِ لَكِنَّ عَمَلَ الْعَامِلِ وَقَعَ مُحْتَرَمًا فَلَا يَفُوتُ عَلَيْهِ فَرُجِعَ إلَى بَدَلِهِ وَهُوَ أُجْرَةُ الْمِثْلِ كَالْإِجَارَةِ إذَا فُسِخَتْ بِعَيْبٍ وَرُبَّمَا عَبَّرَ مُعْظَمُ الْأَصْحَابِ عَنْ ذَلِكَ بِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ الْفَسْخُ حَتَّى يَضْمَنَ أَيْ يَلْتَزِمَ لِلْعَامِلِ أُجْرَةَ مِثْلِ مَا عَمِلَ وَجَرَى عَلَيْهِ صَاحِبُ التَّنْبِيهِ. وَالثَّانِي لَا شَيْءَ عَلَيْهِ كَمَا لَوْ فَسَخَ الْعَامِلُ بِنَفْسِهِ وَالْفَرْقُ ظَاهِرٌ، وَعَلَى الْأَوَّلِ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ مَا صَدَرَ مِنْ الْعَامِلِ لَا يَحْصُلُ بِهِ مَقْصُودٌ أَصْلًا كَرَدِّ الْعَبْدِ إلَى بَعْضِ الطَّرِيقِ أَوْ يَحْصُلُ بِهِ بَعْضُهُ كَمَا لَوْ قَالَ إنْ عَلَّمْتَ ابْنِي الْقُرْآنَ فَلَكَ كَذَا فَعَلَّمَهُ بَعْضَهُ ثُمَّ مَنَعَهُ مِنْ تَعْلِيمِهِ كَمَا جَزَمَ بِهِ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ. وَوَقَعَ لِلْأَذْرَعِيِّ فِي شَرْحِهِ هُنَا خِلَافُ ذَلِكَ فَلْيُحْذَرْ. فَإِنْ قِيلَ قِيَاسُ مَا لَوْ مَاتَ الْمَالِكُ فِي أَثْنَاءِ الْمُدَّةِ حَيْثُ تَنْفَسِخُ، وَيَسْتَحِقُّ الْقِسْطَ مِنْ الْمُسَمَّى أَنْ يَكُونَ هُنَا كَذَلِكَ، وَأَيُّ فَرْقٍ بَيْنَ الْفَسْخِ وَالِانْفِسَاخِ؟. أُجِيبَ بِأَنَّ الْعَامِلَ ثَمَّ تَمَّمَ الْعَمَلَ بَعْدَ الِانْفِسَاخِ وَلَمْ يَمْنَعْهُ الْمَالِكُ مِنْهُ بِخِلَافِهِ هُنَا (وَلِلْمَالِكِ أَنْ يَزِيدَ وَيَنْقُصَ) أَيْ يَتَصَرَّفَ (فِي الْجُعْلِ) أَيْ الَّذِي شَرَطَهُ لِلْعَامِلِ بِزِيَادَةٍ أَوْ نَقْصٍ أَوْ يَعْتَبِرَ جِنْسَهُ (قَبْلَ الْفَرَاغِ) مِنْ عَمَلِ الْعَامِلِ، سَوَاءٌ أَكَانَ قَبْلَ الشُّرُوعِ أَمْ بَعْدَهُ كَمَا يَجُوزُ فِي الْبَيْعِ فِي زَمَنِ الْخِيَارِ بَلْ أَوْلَى، كَأَنْ يَقُولَ: مَنْ رَدَّ عَبْدِي فَلَهُ عَشَرَةٌ ثُمَّ يَقُولَ: فَلَهُ خَمْسَةٌ أَوْ عَكْسَهُ، أَوْ يَقُولَ: مَنْ رَدَّهُ فَلَهُ دِينَارٌ ثُمَّ يَقُولَ: فَلَهُ دِرْهَمٌ، وَإِنْ سَمِعَ الْعَامِلُ ذَلِكَ قَبْلَ الشُّرُوعِ فِي الْعَمَلِ اُعْتُبِرَ النِّدَاءُ الْأَخِيرُ، وَلِلْعَامِلِ مَا ذُكِرَ فِيهِ وَإِنْ لَمْ يَسْمَعْهُ الْعَامِلُ، أَوْ كَانَ بَعْدَ الشُّرُوعِ فَهُوَ مَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ (وَفَائِدَتُهُ بَعْدَ الشُّرُوعِ) فِي الْعَمَلِ أَوْ قَبْلَهُ وَلَمْ يَسْمَعْهُ الْعَامِلُ (وُجُوبُ أُجْرَةِ الْمِثْلِ) لِأَنَّ النِّدَاءَ الْأَخِيرَ فَسْخٌ لِلْأَوَّلِ وَالْفَسْخُ مِنْ الْمِلْكِ فِي أَثْنَاءِ الْعَمَلِ يَقْتَضِي الرُّجُوعَ إلَى أُجْرَةِ الْمِثْلِ، فَلَوْ عَمِلَ مَنْ سَمِعَ النِّدَاءَ الْأَوَّلَ خَاصَّةً، وَمَنْ سَمِعَ الثَّانِيَ اسْتَحَقَّ الْأَوَّلُ نِصْفَ أُجْرَةِ الْمِثْلِ، وَالثَّانِي نِصْفَ الْمُسَمَّى الثَّانِي، وَالْمُرَادُ بِالسَّمَاعِ الْعِلْمُ، وَأُجْرَةُ الْمِثْلِ فِيمَا ذُكِرَ لِجَمِيعِ الْعَمَلِ لَا لِلْمَاضِي خَاصَّةً، وَلَا يُنَافِيهِ مَا مَرَّ مِنْ أَنَّهُ لَوْ عَمِلَ شَيْئًا بَعْدَ الْفَسْخِ لَا شَيْءَ لَهُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ فِيهِمَا فَسْخٌ بِلَا بَدَلٍ بِخِلَافِ هَذَا.
المتن: وَلَوْ مَاتَ الْآبِقُ فِي بَعْضِ الطَّرِيقِ أَوْ هَرَبَ فَلَا شَيْءَ لِلْعَامِلِ وَإِذَا رَدَّهُ فَلَيْسَ لَهُ حَبْسُهُ لِقَبْضِ الْجُعْلِ وَيُصَدَّقُ الْمَالِكُ إذَا أَنْكَرَ شَرْطَ الْجُعْلِ أَوْ سَعْيَهُ فِي رَدِّهِ.
الشَّرْحُ: (وَلَوْ) تَلِفَ الْمَرْدُودُ قَبْلَ وُصُولِهِ كَأَنْ (مَاتَ الْآبِقُ) بِغَيْرِ قَتْلِ الْمَالِكِ لَهُ (فِي بَعْضِ الطَّرِيقِ) وَلَوْ بِقُرْبِ دَارِ سَيِّدِهِ (أَوْ) غُصِبَ أَوْ تَرَكَهُ الْعَامِلُ أَوْ (هَرَبَ) وَلَوْ فِي دَارِ الْمَالِكِ قَبْلَ تَسْلِيمِهِ لَهُ (فَلَا شَيْءَ لِلْعَامِلِ) وَإِنْ حَضَرَ الْآبِقُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَرُدَّهُ بِخِلَافِ مَا لَوْ اكْتَرَى مَنْ يَحُجُّ عَنْهُ فَأَتَى بِبَعْضِ الْأَعْمَالِ وَمَاتَ حَيْثُ يَسْتَحِقُّ مِنْ الْأُجْرَةِ بِقَدْرِ مَا عَمِلَ، وَفَرَّقُوا بَيْنَهُمَا بِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الْحَجِّ الثَّوَابُ، وَقَدْ حَصَلَ بِبَعْضِ الْعَمَلِ وَهُنَا لَمْ يَحْصُلْ شَيْءٌ مِنْ الْمَقْصُودِ، وَبِأَنَّ الْإِجَارَةَ لَازِمَةٌ تَجِبُ الْأُجْرَةُ فِيهَا بِالْعَقْدِ شَيْئًا فَشَيْئًا، وَالْجَعَالَةُ جَائِزَةٌ لَا يَثْبُتُ فِيهَا شَيْءٌ إلَّا بِالشَّرْطِ وَلَمْ يُوجَدْ، وَلَوْ خَاطَ نِصْفَ الثَّوْبِ فَاحْتَرَقَ أَوْ تَرَكَهُ، أَوْ بَنَى بَعْضَ الْحَائِطِ فَانْهَدَمَ أَوْ تَرَكَهُ أَوْ لَمْ يَتَعَلَّمْ الصَّبِيُّ لِبَلَادَتِهِ فَلَا شَيْءَ لَهُ كَمَا لَوْ طَلَبَ الْآبِقَ فَلَمْ يَجِدْهُ، هَذَا إذَا لَمْ يَقَعْ الْعَمَلُ مُسَلَّمًا، وَإِلَّا فَلَهُ أُجْرَةُ مَا عَمِلَ بِقِسْطِهِ مِنْ الْمُسَمَّى كَمَا لَوْ مَاتَ الصَّبِيُّ فِي أَثْنَاءِ التَّعْلِيمِ لِوُقُوعِهِ مُسَلَّمًا بِالتَّعْلِيمِ مَعَ ظُهُورِ أَثَرِ الْعَمَلِ عَلَى الْمَحَلِّ، وَمَحَلُّهُ إذَا كَانَ حُرًّا كَمَا قَيَّدَهُ بِهِ فِي الْكِفَايَةِ، فَإِنْ كَانَ رَقِيقًا لَمْ يَسْتَحِقَّ إلَّا إذَا سَلَّمَهُ السَّيِّدُ أَوْ حَصَلَ التَّعْلِيمُ بِحَضْرَتِهِ أَوْ فِي مِلْكِهِ، وَلَا يُشْكِلُ هَذَا بِمَا تَقَدَّمَ فِي الْفَسْخِ مِنْ أَنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ مُطْلَقًا؛ لِأَنَّ التَّقْصِيرَ بِالْفَسْخِ جَاءَ مِنْ جِهَتِهِ مَعَ تَمَكُّنِهِ مِنْ تَمَامِ الْعَمَلِ بِخِلَافِ مَا هُنَا، وَلَوْ مَنَعَ الصَّبِيَّ أَبُوهُ مِنْ تَمَامِ التَّعَلُّمِ أَوْ الْمَالِكُ مِنْ تَمَامِ الْعَمَلِ وَجَبَ لَهُ أُجْرَةُ الْمِثْلِ لِمَا عَمِلَهُ؛ لِأَنَّ الْمَنْعَ فَسْخٌ أَوْ كَالْفَسْخِ. أَمَّا إذَا قَتَلَهُ الْمَالِكُ فَيَسْتَحِقُّ الْعَامِلُ الْقِسْطَ كَمَا لَوْ فَسَخَ الْمَالِكُ، وَلَوْ أَعْتَقَ الْمَالِكُ رَقِيقَهُ قَبْلَ رَدِّهِ. قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ: يَظْهَرُ أَنْ يُقَالَ لَا أُجْرَةَ لِلْعَامِلِ إذَا رَدَّهُ بَعْدَ الْعِتْقِ وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ لِحُصُولِ الرُّجُوعِ ضِمْنًا أَيْ فَلَا أُجْرَةَ لِعَمَلِهِ بَعْدَ الْعِتْقِ تَنْزِيلًا لِإِعْتَاقِهِ مَنْزِلَةَ فَسْخِهِ. (وَإِذَا رَدَّهُ) أَيْ الْآبِقَ الْعَامِلُ عَلَى سَيِّدِهِ (فَلَيْسَ لَهُ حَبْسُهُ لِقَبْضِ الْجُعْلِ) لِأَنَّ الِاسْتِحْقَاقَ بِالتَّسْلِيمِ وَلَا حَبْسَ قَبْلَ الِاسْتِحْقَاقِ، وَكَذَا لَا يَحْبِسُهُ لِاسْتِيفَاءِ مَا أَنْفَقَهُ عَلَيْهِ بِإِذْنِ الْمَالِكِ (وَيُصَدَّقُ الْمَالِكُ) بِيَمِينِهِ (إذَا أَنْكَرَ شَرْطَ الْجُعْلِ) لِلْعَامِلِ بِأَنْ اخْتَلَفَا فِيهِ، فَقَالَ: الْعَامِلُ شَرَطْتَ لِي جُعْلًا وَأَنْكَرَ الْمَالِكُ (أَوْ) أَنْكَرَ (سَعْيَهُ) أَيْ الْعَامِلِ (فِي رَدِّهِ) أَيْ الْآبِقِ بِأَنْ قَالَ: لَمْ تَرُدَّهُ وَإِنَّمَا رَجَعَ بِنَفْسِهِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الشَّرْطِ وَالرَّدِّ، وَلَوْ اخْتَلَفَ الْمَالِكُ وَالْعَامِلُ فِي بُلُوغِهِ النِّدَاءَ، فَالْقَوْلُ قَوْلُ الرَّادِّ بِيَمِينِهِ كَمَا لَوْ اخْتَلَفَا فِي سَمَاعِ نِدَائِهِ.
المتن: فَإِنْ اخْتَلَفَا فِي قَدْرِ الْجُعْلِ تَحَالَفَا.
الشَّرْحُ: (فَإِنْ اخْتَلَفَا) أَيْ الْمُلْتَزِمُ وَالْعَامِلُ (فِي قَدْرِ الْجُعْلِ) بَعْدَ فَرَاغِ الْعَمَلِ أَوْ بَعْدَ الشُّرُوعِ وَقُلْنَا لِلْعَامِلِ قِسْطُ مَا عَمِلَهُ (تَحَالَفَا) وَفُسِخَ الْعَقْدُ، وَوَجَبَ لِلْعَامِلِ أُجْرَةُ الْمِثْلِ كَمَا لَوْ اخْتَلَفَا فِي الْإِجَارَةِ. أَمَّا قَبْلَ الشُّرُوعِ فَلَا اسْتِحْقَاقَ لَهُ وَلَا تَحَالُفَ، وَمِثْلُهُ الِاخْتِلَافُ فِي قَدْرِ الْعَمَلِ كَقَوْلِهِ: شَرَطْتُ لَهُ مِائَةً عَلَى رَدِّ عَبْدَيْنِ فَقَالَ: بَلْ عَلَى عَبْدٍ.
خَاتِمَةٌ: يَدُ الْعَامِلِ عَلَى مَا يَقَعُ فِي يَدِهِ إلَى أَنْ يَرُدَّهُ يَدُ أَمَانَةٍ، فَإِنْ خَلَّاهُ بِتَفْرِيطٍ ضَمِنَ لِتَقْصِيرِهِ، وَإِنْ أَنْفَقَ عَلَيْهِ مُدَّةَ الرُّجُوعِ فَمُتَبَرِّعٌ إلَّا أَنْ يَأْذَنَ لَهُ الْحَاكِمُ أَوْ يُشْهِدَ عِنْدَ فَقْدِهِ، لِيَرْجِعَ وَمَنْ وَجَدَ مَرِيضًا عَاجِزًا عَنْ السَّيْرِ بِنَحْوِ بَادِيَةٍ لَزِمَهُ الْمُقَامُ مَعَهُ إلَّا إنْ خَافَ عَلَى نَفْسِهِ أَوْ نَحْوِهَا وَإِذَا أَقَامَ مَعَهُ فَلَا أَجْرَ لَهُ، وَلَوْ مَاتَ الْمَرِيضُ لَزِمَهُ إنْ كَانَ أَمِينًا حَمْلُ مَالِهِ إلَى وَرَثَتِهِ وَإِلَّا فَلَا يَلْزَمُهُ وَإِنْ جَازَ لَهُ وَإِلَّا يَضْمَنُهُ فِي الْحَالَيْنِ لَوْ تَرَكَهُ، وَحُكْمُ الْمَغْشِيِّ عَلَيْهِ حُكْمُ الْمَرِيضِ كَمَا أَفَادَهُ كَلَامُ الرَّوْضَةِ لَا حُكْمُ الْمَيِّتِ كَمَا قَالَهُ ابْنُ الْمُقْرِي، وَلَوْ سَرَقَ الْآبِقُ قُطِعَ كَغَيْرِهِ وَيَحْفَظُهُ الْحَاكِمُ إذَا وَجَدَهُ انْتِظَارًا لِسَيِّدِهِ، فَإِنْ أَبْطَأَ سَيِّدُهُ بَاعَهُ الْحَاكِمُ وَحَفِظَ ثَمَنَهُ، فَإِذَا جَاءَ سَيِّدُهُ فَلَيْسَ لَهُ غَيْرُ الثَّمَنِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ.
|